مساحة ود
النور
عالمٌ سرمدي من الخيال والسحر والجمال، وصورٌ زاهية كنقش فرعوني عصي على الطمس أو النسيان.. يحمل بين طياته ماضياً عَبِق برائحة الجوري ومستقبلاً يباهي الماضي بالدهشة والتعجب.
يسلب وجداننا برفقٍ كأبٍ عطوف أو أمٍ حانية؛ فنجلس رفقته ساعات بلا ملل، يحوي بين جنباته حكايات الأطفال وأمنيات الصبايا ووجع المحبين وجنوح الشعراء.. نخبئ فيه الأحلام والوريقات الصغيرة التي تقطر حباً ووجداً، ونأتمنه على الأسرار والأشواق وبقايا الذكريات.
ينير العقول بالعلم، ويفتح عوالم مجهولة، ويحارب الجهل، ويحفظ تاريخنا وعناوين أيامنا كخادم أمين قطع عهداً بالوفاء، وأقسم على البقاء جوارنا ما أبقتنا الحياة.
يغفر التجاهل والهجر والإهمال، ويقنع بأقل اهتمام، ويرحب بعودتنا ووصالنا بلا لوم أو عتاب، يرافقنا في السفر والترحال، ويخفف قسوة الأيام والاغتراب
أنيسٌ وفيّ في الوحدة، وصديق لا يغدر، وبراح يسع الهموم، ومتنفس للأوجاع، ومرمّم عظيم للانكسارات والعثرات.
هو الكتاب، نورٌ رباني وفيض إلهي عنوانه ورسالته الأبدية «اقرأ»، وسره المكشوف تلك الروح التي تسري بين أضلعنا وتسمو بنا وتهذب أخلاق بني الإنسان في كل الأزمنة.
نورٌ يزيل عتمة الروح، ويفتح أبواباً للأمل والخير، ويبدد ظلام الجهل ووطأة الفقر.. نورٌ يملأ النفس بِشراً وسروراً، ينتشلنا من الوحدة والفشل ويعود بنا للطريق مهما تاهت الخطوات.
نورٌ يغمر الوجه، ويصفّي العقل، ويغير طرق التفكير، ويبدّل نظرتنا وتعاملنا مع الناس والأشياء من حولنا للأفضل، ويخلق منا أشخاصاً دمثي الخُلق.
نورٌ يُصقل الخبرات والمهارات، ويضيف لقدراتنا وإمكاناتنا وتميزنا فنصبح أكثر تمكناً من إدارة الوقت والجهد.
قراءة كتاب أصبحت تحدياً كبيراً في ظل حالة الأَسر الطوعي التي نعيشها جميعاً، حين تقوقعنا على أنفسنا، واختصرنا الحياة كاملة في شاشة صماء تطمس إحساسنا بما حولنا، وبمن معنا قبل أن تضعف أبصارنا.
نحتاج إلى أن نوقظ حواسنا ومسامعنا لنستقبل نور «الكتاب» مرة أخرى، نحتاج إلى أن ننتزع عقول أطفالنا ومستقبلهم من شرنقات التواصل الاجتماعي الوهمي، ونغرس فيهم حب القراءة والتعلم والاتصال الحقيقي بالحياة والناس من حولهم، والتمتع بجمال الكون.
معرض أبوظبي الدولي للكتاب فرصة عظيمة ودعوة مفتوحة للجميع لاستعادة نور الكتاب في النفوس، وإحياء بهجة العودة إليه كل مساء لاستئناف القراءة، فرصة للقاء أبطال القصص وأميرات الأساطير والخيال فوق صفحات لا تتوقف عن منح المتعة والدهشة والخيال لكل الأجيال. معرض أبوظبي فرصة عظيمة ودعوة مفتوحة للجميع لاستعادة نور الكتاب في النفوس، وإحياء بهجة العودة إليه كل مساء لاستئناف القراءة.
@amalalmenshawi
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.