5 دقائق

التضليل ( 2 )

عبدالله القمزي

أشرنا سابقاً إلى العوامل التي تصنع التضليل مع تبيان الفرق الهائل بين الموضوع الأصلي والمُضلّل، وكيف ينتهي الأمر بالناس إلى التشتت الكامل بتصديق التضليل وحتى عدم معرفة الموضوع الأصلي.

كان عام 2020 فترة خصبة لانفجار نظريات المؤامرة، والمؤامرة كي تزدهر تحتاج إلى انعدام اليقين، وهذا ما حدث في ذلك العام، حيث كان العالم يواجه فيروساً جديداً لا يعلم كيف يتعامل معه.

من أشهر نظريات المؤامرة آنذاك كانت مؤامرة 5G، حيث إن أبراج اتصالات الهواتف الذكية العاملة بتقنية 5G تنشر فيروس كورونا، خصوصاً أن الصين كانت أول من سارع بتطوير التقنية وفازت بعقود دولية.

وكان الادعاء أن أبراج الاتصالات في ووهان نفسها نشرت الفيروس، والادعاء كسب صدقية من التقارير الصحافية التي خرجت من ووهان تقول إن السلطات هناك رصدت التهاباً تنفسياً غامضاً أواخر عام 2019.

كانت النتيجة انتشار الادعاء واندفاع بعض الناس في أوروبا لإحراق أبراج اتصالات الـ5G. الخوف من مضارّ الاتصالات اللاسلكية موجود منذ أول القرن الـ20 ويتجدد بتطور هذه الاتصالات، وكلما تطورت وسائل التواصل تنتشر المخاوف عبرها من عقول شريرة تستغل عاملين: الأول جهل القطيع/الجمهور؛ إذ لا تحاول الأغلبية التحقق، الثاني تحالف مجموعات مؤمني نظريات المؤامرات الأخرى والاعتماد على حساباتهم في نشر التضليل. مثال: ساهم مناهضو التطعيم في نشر مؤامرة 5G لارتباط النظريتين بصحة الإنسان.

نظرية 5G من أسخف وأغبى نظريات المؤامرة، ولن نضيّع كلمة واحدة في نقضها فلا يصدقها سوى غبي أو مجنون، ولكن كيف بدأت القصة؟

الخبيث الذي نشرها فتح حساباً على «تويتر» اسمه كاسم النظرية نفسها 5GCoronavirus19 الحساب ليس له متابعون سوى 383.

أرسل صاحب الحساب 303 تغريدات في سبعة أيام وربطها بشبكة حسابات وبوسم من ضمنها حساب الرئيس السابق دونالد ترامب، رغم أن الأخير لم يعد التغريد قط لكنه يعد عضواً مؤثراً في الشبكة المكونة من أسماء شهيرة في هوليوود أو الإعلام الأميركي.

ولا ننسى أن ترامب نفسه وصل إلى الحكم من خلال شريحة ناخبين متدينة وهم من فئة مؤمني ومروجي نظريات المؤامرة، وترامب نفسه منهم، وذلك بحسب خبراء التضليل الذين أشاروا إلى أن ادعاءه أن الانتخابات سُرقت منه نوع من نظريات المؤامرة.

وعندما علق الممثل وودي هاريلسون من خلال حسابه على الادعاء تعليقاً مثل: هل هذا حقيقي؟ فإن صاحب الحساب الخبيث أعاد تغريدته مرات ومرات عبر حسابات أخرى أنشأها على مختلف وسائل التواصل، وهو ما صب الزيت على النار.

في ذلك الوقت لم يخرج قائد واحد ليدحض تلك النظرية وسقط رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ضحية للفيروس. وهذان عاملان أسهما في تقويض جهود مكافحة التضليل خصوصاً من ناحية التوقيت.

موقف

يتضح لنا أن حساباً وهمياً واحداً دون متابعين يكفي لنشر معلومات مضللة، بشرط أن يفهم صاحبه كيف تعمل «ألغوريذم» المنصة ويعرف كيف يربط التغريدات المضللة بحسابات شخصيات مؤثرة كترامب أو مشاهير هوليوود. نعم، حساب وهمي واحد لو أُدير بشكل صحيح فإنه يدمر مجتمعات، فقد أحرق 77 برج اتصالات 5G في بريطانيا وحدها. وللحديث بقية.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر