5 دقائق

تعزية بالسلف وتهنئة للخلف

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

حياتُ الخليقة دائرةٌ بين الوجود والعدم، الإحياء والإماتة، كما قال ربنا جلَّ شأنُه: ﴿وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾، وقد كتب سبحانه لنفسه البقاء ولخلقه الفناء، وجعل حياتنا دار ابتلاء ليقيم الحجة على عباده في الجزاء، كما قال عز اسمه: ﴿خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾، فمن عمل صالحاً كان له عظيم الجزاء، ومن عمل سيئاً عامله بعدله إن شاء.

وها نحن قد ودعنا قائد الخير والوفاء الشيخ خليفة الذي وسع شعبه وغيره بالفضل والعطاء، فحزنت القلوب، وذرفت العيون، واكتست البلاد أسى على فراقه، وسُلواننا ما قدمه بين يديه للقاء ربه سبحانه من عمل صالح تنوءُ بحمله الصحف، وهو عمل لا يضيعه الله تعالى له، وبذلك يتفاوت الناس في منازلهم عند ربهم، فمنهم شقي وسعيد ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾، ونحن المسلمينَ شهداءُ الله في الأرض، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «من أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة»، ونشهد بما رأينا وسمعنا، أنه كان خيِّراً نافعاً سمحاً حليماً حكيماً كريماً وفياً صادقاً محباً للناس، قد جمع المكارم الخلقية التي تقرب المرء من خير البرية، كما قال عليه الصلاة والسلام: «إن أحبَّكم إلى الله وأقربكم مني؛ أحاسنكم أخلاقاً»،

وإذا عُددت مناقبه الكثيرة فإن من أجلِّها يوم أن جعل أخاه وعضدَه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد ولياً لعهده؛ ليعينه على حمل أعباء القيادة ومواصلة المسيرة التي اختطها أبوهما المرحوم زايد، رحمه الله، فسارا في ضوئها، على ما زادا عليها من بذل وعطاء بسخاء، وجددا أُسسها وطورا مخرجاتها، وها هو الذي جعله ولياً للعهد ينهض اليوم بالرئاسة، فيحدث المسيرة، ويطور البناء، ويوسع المخرجات، فكان أمرُ الراحل رحمه الله، والقائم بأمره من بعده كما قال السَّموأل سابقاً:

إذا سيدٌ منا خلا قام سيدٌ... قؤولٌ بما قال الكرام فعولُ

ها هو اليوم يقود الأمة بكل جدارة ومهارة وسياسة وكياسة، وكما قال جرير يخاطب الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز رحمه الله تعالى:

نال الخلافةَ إذ كانت له قدراً... كما أتى ربَّه موسى على قدرِ

نعم نال الخلافة العامة، بمبايعة عامة، ومحبة عارمة، ودعوات صادقة؛ أن يعينه الله تعالى ويقويه، ويشدد ظهره بإخوانه ومحبيه، وأن يجعله خير خلَف لخير سلف.

إن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد الفارس القائد الذي تخرج من مدرسة زايد، إذ كان يده القوية، وأمينه على كل مهمة، فنال الدُّربة الفائقة، والمهارة الحاذقة، في سياسة الدنيا والدين، لذلك نرى رؤية والده يرحمه الله من تطوير وبناء وسماحة وإخاء ووقوف في وجه الأعداء، ومحبة للإنسانية جمعاء؛ نرى هذه الأمور وغيرها كثير هي التي عهد بها زايد الخير لإخوانه الحكام وأبنائه الحكماء، ولكنها تتطور على يد هذا القائد الفذ بما يقتضيه العصر من تطور ومسايرة للزمان والمكان، حتى أصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة دولةً رائدة في كل مجال من مجالات الحياة الإنسانية والصناعية والتقنية، فضلاً عن السياسية والعسكرية، في زمن قياسي مقارنة بأزمان الدول والشعوب.

ها هو اليوم يقود أمته مع نائبه وشديد أزره صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد للخمسين القادمة، قيادة تتناسب مع تحديات العصر وتطوره، ولعلها ستكون مختلفة عما عهدناه في كل شيء، إلا في ثوابت الدين وأمهات الفضائل التي لا تتغير بتغير الزمان والمكان، ومثل هذه المرحلة المقبلة والمعقدة تحتاج مثل هذا القائد الذي اختاره الله تعالى لزمانه ومكانه ليمخر بسفينة الوطن إن شاء الله تعالى إلى مزيد من التقدم والرقي، حتى تتحقق للقيادة الرشيدة آمالها في شعبها والإنسانية.

لا جرم أن يكون قائد المسيرة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد بهذا المستوى فإن ذلك ليس غريباً عليه، فقد شق كل الطرق التي توصل إلى الغاية المنشودة بكل جدارة وحنكة، في كل مجال يتطلع له الشعب بل الإنسانية، ومن أجلِّها الإخاء الإنساني، والتسامح الديني، والتقدم الصناعي، والاستقرار الأمني، والقوة الحامية، فضلاً عن الرخاء الذي وسع به أبناء شعبه.

نسأل الله تعالى له العون والتوفيق والتأييد، وللراحل الرحمة الواسعة.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر