5 دقائق

{ثم أتموا الصيام إلى الليل}

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

يأمرنا ربنا سبحانه وتعالى أن يكون صيامنا الذي فرضه علينا في نهار هذا الشهر يبدأ بطلوع الفجر الصادق، الذي عبّر عنه سبحانه وتعالى بتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، والموضح بلسان المبيِّن شرع ربنا سبحانه، وهو نبينا عليه الصلاة والسلام بالأذان الذي يكون عند طلوع الفجر الصادق، فقال: «إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم»، وكان رجلاً أعمى لا يؤذن حتى يقال له أصبحتَ أصبحت، فبين النبي عليه الصلاة والسلام أن الليل ينقضي بهذا الأذان، فلم يعد الزمن محلاً لشيء ممّا كان مباحاً قبله، فهذا بيان لقول ربنا جلّ في علاه: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} فدل على أن من أكل أو شرب عند سماع الأذان أنه لم يعد صائماً كما أمره ربه جلّ شأنه؛ لأنه تناول المفطر بعد انقضاء الليل، ووجوب صلاة الفجر، فمن شرع في صلاة سنة الفجر أو الفجر نفسه عند سماع المؤذن فإنه قد أدى فريضة الله تعالى، وأن من أكل أو شرب حينئذ يكون قد تعدى حدود الله تعالى، وكان منتهكاً لحرمة الصوم.

وهذا ما قرره العلماء من الأئمة الأربعة، كما قال الإمام النووي، رحمه الله تعالى، في المجموع 6/311 «إن من طلع الفجر وفي فِيه طعامٌ فليلفظه ويتم صومه، فإن ابتلعه بعد علمه بالفجر بطل صومه، قال: وهذا لا خلاف فيه».

ثم ذكر ما قد يذكره بعض الوعاظ من استدلالٍ لتجويز مثل هذا الفعل، وهو حديث: «إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه»، فرده بما قرره الإمام البيهقي في السنن الكبرى بقوله: «وهذا إن صح، فهو محمولٌ عند عوام أهل العلم على أنه صلى الله عليه وسلم علِم أن المنادي كان ينادي قبل طلوع الفجر، بحيث يقع شربه قبيل طلوع الفجر»، وقول الراوي: وكان المؤذنون يؤذنون إذا بزغ، يحتمل أن يكون خبراً منقطعاً ممن دون أبي هريرة، أو يكون خبراً عن الأذان الثاني، وقول النبي صلى الله عليه وسلم «إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده» خبراً عن النداء الأول، ليكون موافقاً لحديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما، قال: وعلى هذا تتفق الأخبار، وبالله التوفيق والله أعلم» اهـ.

وهكذا يكون الاستدلال الفقهي عند الفقهاء والمحدثين، فإنهم يجمعون الأدلة في الباب الواحد، ويأخذون ما يصح الاستدلال به، ويردون غيره، ذلك أن الأدلة الشرعية مراتب، فالنص القرآني أعلى في الحجية من السنة، والسنة الصحيحة لا يعارضها حديث ضعيف، فكيف إذا كان الحديث الضعيف يتناقض مع نص القرآن وصحيح النقل وصريح العقل، فالقرآن أباح الأكل والشرب والرفث إلى منتهى الليل، وأوجب الامتناع عن ذلك من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس، والعقل لا يقبل أن يكون الوقت ليلاً ونهاراً في آنٍ واحد، فإنهما ضدان لا يجتمعان ولا يرتفعان، فضلاً عن أن أئمة الفقه قد فرغوا من تحرير هذه المسألة كما تقدم عن الإمام النووي نفيُ الخلاف فيه، فلزم من ذلك كله، وبعضُه كافٍ أن لا يتجرأ الناس على تناقل شواذ الفتاوى والأقوال لتخطئة الناس في شهر رمضان خاصة الذي هو الركن الرابع من أركان الإسلام، ولو لم يكن إلا الورع والاحتياط في العبادة لكان كافياً، تأسياً برسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، الذي كان بين سحوره وصلاته الفجر قدر خمسين آية، كما في الصحيحين من حديث زيد بن ثابت، رضي الله عنه، وهذه هي فترة الإمساك التي نص عليها العلماء.

نسأل الله تعالى التوفيق والهداية والقبول للجميع.

* «كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر