5 دقائق

«تلعيب» وتعليم

محمد سالم آل علي

من المؤكّد اليوم أن الألعاب الإلكترونية نجحت في شغل حيز واسع من نشاطات النشء الفكرية والذهنية، كما أن تأثيرها طغى وبشكل مؤثر في مختلف النواحي الأخرى المرتبطة بالنمو والصحة، حتى إننا بتنا لا نكاد نشاهد طفلاً إلا وفي يده لعبة إلكترونية أو هاتف محمول يستخدمه ليلاً نهاراً مهما صغر سنه.

ولعل ما يزيد الأمر سوءاً هو ذاك الأثر الذي بات ملموساً على الجوانب السلوكية والمعرفية، فطفل اليوم منعزل اجتماعياً يفتقد مهارات التعامل مع الحياة الحقيقية، وهو قليل النشاط والحركة، ما يجعله أكثر عُرضة للسمنة وتداعياتها، وهو أيضاً قليل التركيز في معظم الأحيان، إلا أن الأدهى من ذلك كله تلك القيم السلبية والسلوكيات الخاطئة التي قد تحملها بعض الألعاب وتشجع عليها، وهذا أمر شديد الخطورة، خصوصاً إذا ما أخذنا في الحسبان أن الأطفال والناشئة يحتاجون إلى التوجيه والإرشاد التربوي بكل ما يتعلق بالخطأ والصواب، وهذه مهام لابد وأن تكون بيد الأسرة والمدرسة.

ولأن الواقعية ركن من أركان المنطق فلابد لنا من التسليم بأن الألعاب الإلكترونية أضحت جزءاً لا يتجزأ من الثقافة الرقمية الحديثة، واتجاهاً آخذاً بالنمو والتوسع، وهي لا تتطلب المواجهة والتصدّي بقدر حاجتها إلى إعادة التقييم وفهم الإمكانات التي تكمن وراءها، والتي يُعبّر عنها اليوم بمفهوم «التلعيب».

ويُعدّ «التلعيب» ابتكاراً تربوياً يستخدم الألعاب الإلكترونية ضمن سياقات تعليمية تتحوّل فيها عناصر اللعبة ومبادئها إلى أدوات وأنشطة تثقيفية تحقق غاياتها التدريسية، مع الحفاظ على جميع جوانب المتعة والتشويق التي تمتاز بها اللعبة التقليدية. ولعل أجمل الأوجه التي يقدمها هذا الاتجاه هو أنه يتخلص دفعة واحدة من جميع سلبيات الألعاب الإلكترونية، ويستعيض عنها بإيجابيات، فهو يركّز على المتعلم، ويعزّز الشعور بالتعاون والمنافسة، والأهم أنه يقدم جرعة تعليمية أفضل بكثير من الأساليب التقليدية الأخرى.

وعندما نتطرق لأي جانب من علوم المستقبل سنجد الإمارات في الريادة والصدارة، وهي التي تنبهت إلى هذا المسار التربوي منذ سنوات عدة، وأطلقت منصّة الحكومة الرقمية للطفل التي تعمل على توظيف الألعاب في تنمية البيئة المعرفية للأجيال، وتسمح لهم بتعزيز مشاركتهم الاجتماعية ومعرفة الكثير عن الجهات الحكومية والخدمات التي تقدمها.

كما أن الجهات الحكومية الأخرى أطلقت أيضاً منصّاتها لـ«التلعيب»، كل حسب خططه واستراتيجياته، إلى أن صارت المعرفة تُكتسب، من خلال خطوات تشويقية هادفة تنضوي على كثير من المعلومات والمعارف التي تحقق الفائدة للجميع.

والدور الآن أتى على القطاع الخاص للبدء بمشاركة موارده في سبيل تطوير أساليب وبرامج «التلعيب»، وفي مختلف الاختصاصات والحقول، لاسيما أن الإمكانات التي يوفرها التعلّم الرقمي عبر تقنيات «التلعيب» أكبر من أن تخفى عن أحد، فالمناهج التعليمية فيه متاحة مباشرة على الهواتف المحمولة والحواسيب دون أعباء الكتب وتكاليفها، والمتعلم أيضاً لديه من الدوافع والتطلعات ما يكفيه لاغتراف المعرفة وتخزينها في كل يوم وساعة.

إن تقنيات «التلعيب» لا تستشرف المستقبل فحسب، بل إنها تأتي به من اليوم، وتوظفه ليصنع حاضراً مشرقاً وغداً واعداً لأجيال الوطن بُناة المستقبل.

• مؤسس سهيل للحلول الذكية

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر