5 دقائق

وآتوا الزكاة

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

يخاطبنا ربنا جلّ شأنه في آيات كثيرة بقوله: {وآتوا الزكاة}، وهو أمر إيجاب كأمره بإقامة الصلاة التي قرنها بالزكاة، في نحو ثمانين آية، زيادة في التأكيد على أهمية هذين الركنين في حياة المسلم، أما الصلاة فلأنها عماد الدين، وهي عبادة بدنية محضة، لله رب العالمين وحده، وأما الزكاة فلأن بها قوام الحياة، وهي عبادة مالية محضة لعباده الذين أسلمت له وجوههم، ومستهم الحاجة، وفي الربط بينهما بسياق واحد دليل على أن حق الله تعالى مرتبط بحق العباد، وأن الدين لا يكمل إلا بأدائهما معاً، وذلك ما أفاده الحديث الصحيح المشهور «بني الإسلام على خمس..» وعدّد مكونات البناء بأنها: الشهادتان، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج لمن استطاع إليه سبيلا، وأفاده أيضاً حديث حذيفة، رضي الله عنه، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «الإسلام ثمانية أسهم: الإسلام سهم، والصلاة سهم، والزكاة سهم، والحج سهم، وصوم رمضان سهم، والأمر بالمعروف سهم، والنهي عن المنكر سهم، والجهاد في سبيل الله سهم، وقد خاب من لا سهم له».

والمعنى من ذلك أن ديننا متكامل ومترابط بين حقوق الله تعالى وحقوق العباد، وأن على المسلم أن يراقب هذا التكامل حتى لا يَخل بواحدة من لبنات بنائه.

والزكاة التي هي موضوع حديثنا اليوم كما أنها حق اجتماعي فإنها حق نفساني في المقام الأول، فإن المزكي بحاجة ماسة لها لا تقل عن حاجة المجتمع، فصاحب المال بحاجة إلى تطهير نفسه من أدواء الشح والبخل التي هي من أدوأ الداء، وبحاجة لأن ينمو ماله ويتبارك، وبحاجة لأن يقدم ماله بين يديه ليستظل به يوم لا ظل إلا ظله سبحانه وتعالى، وبحاجة لأن يتقي النار التي قد تكون موقدة بما يكنزه من مال، وكل ذلك يكون بزكاته التي هي نسبة قليلة ممّا منَّ الله تعالى عليه من مال.

أما الحق الاجتماعي فإنه ممّا يلزم كل مسلم أن يحرص على أدائه، لأنه ما كسب المال إلا من وظيفته الاجتماعية، سواء كان تاجراً أو موظفاً أو عاملاً، فلولا وجود من يتاجر معه لما نَما ماله، ولولا حاجة المجتمع لوظيفته أو عمله لم يجتمع له مال، فالمجتمع إذاً شريك له في ما في يده من مال زكوي، ومع ذلك فإن الله تعالى لم يسلط المجتمع على كثير مالك، بل قليله فقط، ولم يجعل الله تعالى هذه الشراكة في كل مال تملكه قليل أو كثير، بل في المال الذي تعد به متميزاً عن غيرك بالغنى، ولما كان الأمر كذلك لم يكن الحق سبحانه ليترك المرء وضميره في أن يعطي ذلك القليل من الكثير أو لا يعطي، بل إنه سبحانه سجل ذلك الحق لأصحابه الفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل، فسمّاه الله تعالى حقاً معلوماً لهم، لا ينازعهم فيه أحد، فإن أداه من وجب عليه طيِّبة به نفسه، وإلا كان لولي الأمر أن يأخذ منه قسراً، لحمله على أداء الحق المفروض، حتى يقوم العدل بين العباد، وحتى تتحرك عجلة الاقتصاد في المجتمع، ويؤدي المال وظيفته في النماء والإعمار.

فعلى كل مسلم أن يعلم أن المال مال الله يؤتيه من يشاء، وأنه في الحقيقة ابتلاء منه سبحانه لعبده لينظر هل يشكره عليه بأداء ما افترضه عليه، أم يكفر نعمته عليه، والمسلم الواعي البصير هو الذي يعرف الحق على نفسه فيؤدي ما ائتمنه الله عليه، حتى يستزيد فضل الله ونعمته.

جعلنا الله من الشاكرين ومنَّ علينا بالمزيد.

* «كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر