مساحة ود

طارق القلوب

أمل المنشاوي

يطرق القلوب قبل الأبواب، ينشر خيره في البيوت والطرقات، يغمر النفوس سكينة وسلاماً، توقظ فينا ذكريات قدومه كل عام اللهفة ذاتها والاشتياق نفسه.

يقرب المسافات ويمحو الخلافات ويصلح ذات البين، تمتد موائده عامرة فلا جائع ولا فقير ولا محتاج.

تصل أياديه البيضاء للجميع كرماً متواصلاً من يد الله المبسوطة وفيضاً نورانياً طاهراً من روحه الكريمة.

تسمو فيه الأخلاق وتتهذب ونرتقي بالأقوال والأفعال تيمناً به، ونعرف قدره وقيمته في أعمارنا، هدية من المولى عز وجل يرتب به شعث أرواحنا ويقوي إرادتنا لنستطيع مواصلة رحلة الحياة وتحمل عثراتها.

يعرف أوجاعنا وضعفنا فيتسلل معالجاً رحيماً يُهدِئ الغضب ويطبب الأوجاع والأحزان فلا ندري أي مصدر لكل هذا الطيب في صدورنا.

يعيدنا إلى الطريق فنلقى يد الله ممدودة في كل وقت مهما ابتعدنا ومهما عظمت الأخطاء والزلات.

يُوقظ إنسانيتا وإحساسنا بالكون والبشر على تلون أجناسهم واختلاف طبائعهم، ويفتح عيوننا على فيض النعم والجمال حولنا ويعلمنا الامتنان للخالق المبدع.

ينفض غبار عام كامل من التخبط في دروب الحياة لنفيق ونتذكر أن الرحلة قصيرة مهما امتدت وأن الراحة فيها فقط في معية الله. شهر بقدر دهر، هكذا رمضان، في كل قدوم له يحل ضيفاً عزيزاً كثير العطايا سريع الرحيل.

شهر رحمة وعفو وغفران من رب يحب عباده ولا يرضى لهم إلا كل خير وعز، تتواصل فيه الأرحام ويجتمع الأهل ويتزاور الأصحاب والجيران ونتبادل فيه الود وأطباق الحلوى وندعو لبعضنا البعض ونتذكر فيه كل عزيز باعدت بيننا وبينه المسافات وكل غالٍ رحل عنا إلى العالم الأوسع.

لكم تمنينا أن يكون العام كله رمضان ليعم الخير ويسود السلام وتتحسن الأخلاق فلا حسد ولا حقد ولا ضغينة.

لكم تمنينا أن تظل أنواره في النفوس وعلى جدران المنازل وفوق أقبية المساجد ليعم الأمان ويتبدد الخوف والقلق.

لكم تمنينا أن تبقى أياديه البيضاء ممتدة لتقضي على العوز والفقر وترفع عن المحتاجين ذل السؤال.

نعم، هو شهر يأتي مرة كل عام لكن بوسعنا أن نتشبث بفيض عطائه وجميل صفاته لنبقيها ونعمل بها إلى أن يعود في قادم الأعوام، بوسعنا أن نمد أيادي الخير من حولنا لنتأكد أن «العطاء لا ينقص أبداً ما نملكه، ولأن نعطي أفضل ألف مرة من أن نأخذ».

وأكثر ما يقض مضاجع الناس توفير الطعام لعوائلهم كونه المطلب الأول للحياة الكريمة، لذا جاءت مبادرة المليار وجبة التي أطلقتها دبي لتمد بها يد الخير نحو الأسر الفقيرة في 50 دولة حول العالم، تؤكد بها صفته الشهيرة «رمضان كريم».

عود حميد لشهر ننتظره كل عام منذ اللحظة الأولى لرحيله داعين الله بإخلاص «اللهم بلغنا رمضان».

@amalalmenshawi

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر