مساحة ود

القسوة الرحيمة

أمل المنشاوي

ننتظرهم بشوق العالم ولهفته، ونتعجل وقت قدومهم للحياة، ونستقبلهم بحفاوة وفرح بالغين، وإحساس يظل محفوراً ما حيينا في الذكريات.

تتشكل صورهم من ملامحنا، فنجدهم مرآة تحمل تفاصيلنا صوتاً وصورةً وسلوكاً في الحركات والسكنات.

نسترجع بالنظر في وجوههم مراحل طفولتنا وصبانا وشبابنا، ونتأكد من حقيقة أنهم عنوان الرحلة المقبلة، وحاملو الرايات.

نرى أحلامهم بعيوننا، ونتخيل أنفسنا مكانهم، فنضع الشروط والأحكام على تصرفاتهم وتحركاتهم حدباً وخوفاً من الانكسار والخيبات.

نخاف عليهم من العثرات والكبوات، ونظن لسنوات أننا قادرون على حمايتهم، وتمهيد طريقهم مهما امتد، طالما امتد بنا العمر وتعاقبت السنوات.

نفتش في خبايا الحاضر عن مستقبلهم، ونرسم ملامحه نقشاً في وجدانهم، فيهرب بنا الوقت، ويحرمنا الاستمتاع بهم ومعهم بعيداً عن قلق ما سيكونون عليه في ما هو آت.

نُفرط أحياناً في دلالهم حباً وعطفاً عليهم، ونسعى جاهدين لنوفر لهم كل ما حُرمنا منه في صغرنا، ونضعف أمام رغباتهم، ونقدمها على أولوياتنا، دون أن ندرك أهمية قول «لا» في كثير من الأوقات.

نتجاوز عن أخطائهم، ونغفر زلاتهم، بفطرة جبلها المولى عز وجل على حبهم ومسامحتهم، ونتناسى أهمية تصويب الخطأ في وقته، والتعامل بحسم مع الانحرافات.

أبناؤنا قطع منّا تمشي على الأرض، نسعد بفرحهم، ونألم بوجعهم، وندعو لهم بالخير كل الأوقات.

نتعب لأجلهم، ونرمم انكسارهم، ونشد على أياديهم، ونقف في ظهورهم، نشتاق غائبهم، وننتظر عودته كل صباح، نطبب مريضهم، ونُقَوي صغيرهم، وندفع عنهم الأذى، ونتحمله عنهم، مهما كلفنا.

لكن لابد أحياناً من قسوةٍ تعلمهم أن دروب الحياة وعرة، وأيامها متقلبة، لا تدوم على حال، تلك القسوة التي تربي فيهم الدين والأخلاق، وتزرع في نفوسهم القيم والأعراف جذوراً ودروعاً ومصدات واقيات، فالعالم من حولنا بات مرعباً، والتيار جارف، وأيادي الشر طالت الجميع، إلا من رحم رب العالمين.

لابد أن نقسو رحمة بهم، لنُعوّد سواعدهم الصغيرة على تحمل المسؤولية، ونؤهل نفوسهم البريئة لتواجه الخوف والقلق والحزن بشجاعة.

القسوة الرحيمة تفتح عقول الأبناء ووجدانهم تدريجياً للعالم من حولهم، وتصوب الأخطاء دون ندبات نفسية، وتحمي من عدم الاتزان الذي يصاحب مراحل عمرية لابد أن يختبروها ويعيشوها كاملة.

15 مارس من كل يصادف يوم الطفل الإماراتي، وكل طفل يعيش على أرض الإمارات بسلام وسعادة وأمان وحماية كاملة، وفرت سبلها الدولة، وسخرت إمكاناتها كاملة له، ويبقى أن تُكمل الأسرة هذا الدور برعاية أبنائها، والحدب عليهم، وحبهم بلا تفريط أو تقصير، وتحميلهم المسؤولية منذ الصغر لينشأوا نشأة سوية.

@amalalmenshawi

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر