5 دقائق

وقف المعرفة.. ومضات على خطى الابتكار

محمد سالم آل علي

لا شك أن المعرفة كانت ولاتزال الشريك الفاعل والملازم لعملية التطور الإنساني، كما أن الوصول إليها بالذات هو ما أوقد شعلة البحث والتقصي في مختلف أنحاء العالم، وأنار الدرب أمام البشرية جيلاً بعد جيل.

ولأن دولة الإمارات العربية المتحدة تأبى إلا أن تكون في الصدارة، فقد وضعت الخطط، وأطلقت المبادرات، واعتمدت الأنشطة المعرفية ركيزة في بناء الاقتصاد، وأولوية في مجال العمل والتعليم، وتُرجمت النظرة الثاقبة لقيادتها الرشيدة من خلال مبادئ الخمسين التي خصصت للعلم والمعرفة المكانة الأولى في رحلة بناء المستقبل، هذه الرحلة التي يخوضها أبناء الإمارات متسلّحين بأدوات التميز والابتكار، وقادرين على التفوق في شتى الميادين والمجالات.

وقد جاء اعتماد مجلس الوزراء، برئاسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، إنشاء مجلس الإمارات للبحث والتطوير، ليعبّر عن هدف واضح ومحدد، يتجلى بترسيخ مكانة دولة الإمارات في قطاع البحوث، وتعزيز حضورها عبر مجموعة من الإجراءات والاستراتيجيات، تمحورت حول تعزيز حوكمة هذا القطاع الحيوي، وتحديد الأولويات والسياسات المتعلقة بجميع جوانبه وأركانه.

وجاءت الركيزة الثالثة من رؤية الإمارات 2021 (متَّحدون في المعرفة) لتبرهن على مدى رشاد هذه التوجهات، وهي التي نصّت على اقتصاد معرفي وتنافسي، يدفعه الابتكار والبحث والعلوم والتكنولوجيا، وتقوده كفاءات إماراتية ماهرة.

وهكذا بدأت البشائر تتتالى، إلى أن احتلت الدولة مراتب متقدمة في العديد من المؤشرات العالمية والإقليمية، بل ورسخت مكانتها قطباً للتنمية، ومنارة شامخة تنير دروب المستقبل. فالجداول السنوية لمؤشر نيتشر لعام 2021، وهو مؤشر يُعنى بالمخرجات العلمية للدول والمؤسسات، أشارت إلى ارتقاء دولة الإمارات أربعة مراكز في قائمة الدول الـ50 الأكثر حصة من حيث الأبحاث العلمية، حيث وصلت إلى المركز الـ44 عالمياً، والثاني في حصة البحث العلمي على مستوى الدول العربية، والمركز الخامس على مستوى كل من دول غرب آسيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المشمولة في مؤشر هذا العام.

وبالطبع، فإن أرقاماً كهذه تعكس تقدماً ملحوظاً على مر السنوات الماضية، وتعدُّ مؤشراً على مدى نجاح الخطط الاستراتيجية والسياسات الداعمة للبحث العلمي، كما أنها جاءت ثمرة للزيادة الواضحة في نسبة الإنفاق على إنتاج المعرفة، التي وصلت عام 2018 إلى 1.3% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ0.6% في عام 2014.

كما هذا النمو المطّرد وضع دولة الإمارات في المرتبة الأولى عربياً في نسبة الإنفاق على البحث والتطوير، كما أنه قدم صورة مُشرقة عن قادمات السنوات، فالإنفاق في تزايد، ونسبته قد تضاعفت تقريباً في الفترة ما بين عامي 2014 و2018.

ومما لابد من ذكره هنا هو أن الجهات الحكومية كانت ولاتزال صاحبة النصيب الأعظم في تمويل إنتاج ونشر هذه المعرفة العلمية، مع وجود إسهامات للقطاع الخاص، هذا القطاع الذي يحتاج إلى مبادرات تعزز من دوره، وتفرض التزام جميع مكوناته من شركات ومؤسسات في تمويل البحث العلمي، كل حسب حجمه وطاقته، إلى أن يصبح شريكاً فاعلاً في تكوين حاضنات بحثية، تكون بمثابة «وقف للمعرفة».

وقد يقول البعض إنه لا أصول هنا يُوقف ريعها أو مدخولها، وهذا صحيح إلى حد ما، إلا أن المبالغ المستثمرة في تأسيس الحاضنة يمكن النظر إليها ضمن هذا الإطار، فالقائمون على الحاضنة هم أصحاب أعمال، ومنشآتهم هي بمثابة عين يخصص جزء من إيرادها في سبيل البحث والمعرفة.

إن هذه المبادرة يُناط بها، ليس فقط توليد المعرفة الجديدة، وإنما إدارة العلاقات القائمة بين مختلف أركانها، من باحثين وممولين وأصحاب قرار، ثم استثمارها الأمثل في سبيل النهضة الاقتصادية، وتكريس الريادة الإماراتية في مختلف الصعد والمحافل.

مؤسس سهيل للحلول الذكية

 

تويتر