5 دقائق

أجندة «نتفليكس»

الدكتور علاء جراد

إن الجدل الدائر هذه الأيام حول أول فيلم عربي بثته منصّة «نتفليكس» يستحق التوقف قليلاً والتفكير قبل الاندماج في الجدل، وذلك حتى لا يتحوّل الموضوع إلى مجرد معركة «تويترية» أو «فيسبوكية» ينتهي خلال ثلاثة أيام كمعظم القضايا التي تطرح على «السوشيال ميديا»، التي لا تتعدى مهاترات بين المؤيد والمعارض.

بداية، فكل طرف من طرفي الجدال يرتدي عدسات معينة هي التي تحدد ما يراه وما يقوله، فالفريق الأول يرى أن مضمون الفيلم يخل بالقيم المجتمعية في عالمنا العربي، سواء المسلم أو المسيحي، وأن الفيلم تخطى الحدود في اللفظ والعرض، خصوصاً الصدمة من ممثلة بعينها. أما الطرف الآخر فيرى أن الفيلم عرض صورة من الواقع، وأن هذه الحالات موجودة بيننا ولا فائدة من دفن الرؤوس في الرمال، كما أن من يشاهد مثل تلك السلوك ليس بالضرورة أن يقلدها.

لقد حاولت أن أنظر للموضوع من كل الزوايا، وقبل أن أدلي بدلوي بخصوص الفيلم، من المهم أن ننظر للصورة الكبرى، لذلك هناك نقاط عدة لابد أن نأخذها في الحسبان، أولها أن المجتمعات من دون استثناء لديها مشكلاتها، ولا يوجد مجتمع مثالي، وبالتالي لا فائدة من إنكار الحقائق أو الظواهر الاجتماعية، ولكن أيضاً ليس من المفيد ترسيخ الخطأ أو العمل على «تزيينه» و«استسهاله» أو تقبله، لأن تقبل مشاهدة الخطأ واعتباره أمراً عادياً هو اعتراف ضمني به.

ثانياً النقاش في هذه الأمور يحتاج إلى حوار عقلاني وليس ترديد شعارات وعبارات محفوظة من كلا الطرفين. ثالثاً والأهم، علينا فهم السياق كاملاً، ففي ما يخص منصّة «نتفليكس» فهي شبكة أميركية بدأت منذ أغسطس 1997 أي ما يقارب الربع قرن، ولديها أكثر من 222 مليون مشترك، وهي تحقق أرباحاً خيالية من خلال الاشتراكات، ومن الواضح أن لها أجندة محدّدة في مناصرة قضايا مثل المثلية الجنسية، بل إنها تشجعها بكل السُبل، فلا يخلو عمل من أعمالها الفنية إلا وتجد إقحاماً لأشخاص مثليين أو لديهم شذوذ، كما تهتم كثيراً بنشر أعمال يغلب عليها السحر والدجل، مثل المسلسل العربي التافه الذي أنتجته مسبقاً.

إذن من الواضح توجهات هذه المنصّة، وبالتالي ليس من المستغرب أن تنتج فيلماً سيئ السُمعة مثل فيلمها الأخير، أما من ناحية انتقاد ممثلي الفيلم، فعلينا أن ندرك أن هدفهم الربح فقط، ولو كان على حساب أي قيم مجتمعية، والمتابع لأعمال هذه الممثلة «متواضعة الموهبة» يلاحظ الفراغ الفكري الذي تتمتع به، وبالتالي علينا ألا نتوقع خيراً من القائمين على هذا العمل ولا من احتضنه ولا من قدمه.

على كل من ينتقد ويرفض هذه التوجهات عدم الاكتفاء بالنقد، ولكن يجب مقاطعة هذه المنصّات وكذلك مقاطعة كل فنان لا يحترم قيمنا المجتمعية، هذا على المستوى الفردي قصير المدى، أما على المستوى الوطني طويل المدى، فنحن بحاجة إلى مجهود جبار من القائمين على التعليم والتربية والدين، لإعادة توجيه البوصلة الأخلاقية لمسارها والتأكد من عدم تأثر تلك البوصلة بالتشويشات المحيطة.

@Alaa_Garad

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر