5 دقائق

الصالح العام

الدكتور علاء جراد

يتكرر مصطلح «الصالح العام» على مسامعنا كثيراً، ويمكن تعريف الصالح العام بأنه مجموعة من الممتلكات أو المؤسسات التي يراها أعضاء المجتمع ضرورية لتلبية المصالح المشتركة بينهم، مثل وسائل النقل، والمؤسسات الثقافية، والشرطة، والأمن، وكذلك القضاء والنظام الانتخابي والتعليم والهواء النظيف والمياه والغذاء الآمن والمتاح، ومنها أيضاً بعض المفاهيم مثل الحقوق والحريات الأساسية. ويلاحظ وجود رابط قوي بين تقدم الأمم وبين اهتمام الفرد بالصالح العام بل وتفضيله إياه على الصالح الخاص أي «المصلحة الشخصية».

وإذا أخذنا مثالاً عملياً من اليابان، والتي دائماً ما نبدي إعجاباً بها، بل يحلو للبعض إطلاق مصطلح «كوكب اليابان» عليها، فسنجد أن الفرد هناك إذا تعارضت مصلحته الشخصية مع الصالح العام فسيختار الصالح العام دون تردد، والشيء نفسه في كوريا الجنوبية، وبالتالي فنحن ننظر لهذه الدول على أنها كوكب آخر ونتمنى أن نكون مثلهم فيما يفيدنا على المستوى الفردي، لكن دون أن نأخذ «الباقة» كاملة في الاعتبار، ففي الثقافات التي يعلو فيها صوت الصالح العام على المصلحة الشخصية نجد أن الجميع يتكاتف ويبذل كل ما لديه من أجل الكل، فيخلص الناس في عملهم، ويتفانون في خدمة المؤسسة التي يعملون بها وكذلك البلد ككل، فلا تجد من «يزوغ» من العمل باكراً، ولا يطلبون من زملائهم أن يوقّعوا في الحضور نيابة عنهم، ولا يكذبون على رؤسائهم في العمل، وكذلك الرؤساء في العمل يعملون بجد واجتهاد ولا يسرقون مجهود مرؤوسيهم، باختصار، لا تطغى الفردية والمصلحة الشخصية على التعامل.

لقد رأيت بنفسي مشروعات ضخمة في أسكتلندا قام أفراد المجتمع بدعمها والتبرع لها والعمل بها دون مقابل حتى نجحت تلك المؤسسات، ومع أن هؤلاء الذين أسهموا فيها قد لا يستفيدون منها استفادة مباشرة، جامعات كثيرة قام بإنشائها أفراد من أجل الصالح العام، وفي الوقت نفسه، فأفراد المجتمع يحافظون على هذا الإرث، ولا يقبلون أن يتربحوا منه، أو يأخذ فرد من أفراد المجتمع شيئاً ليس من حقه، أو يقصر في عمله، حيث يأتي أجره من أموال الدولة ودافعي الضرائب، وبالتالي يستنكر أفراد المجتمع أي تصرف يتنافى مع تلك القيم، ولا أقول إنها مجتمعات مثالية، فلها مشاكلها وتحدياتها، ولكن المؤكد أن الغالبية العظمى سوف تأخذ في اعتبارها الصالح العام في المقام الأول حتى لو تعارض مع المصلحة الشخصية.

أما في المجتمعات التي يعلو فيها صوت المصلحة الشخصية فيحاول معظم الأفراد تعظيم مكاسبهم، والاستفادة من المنصب الوظيفي، ولو كان صاحب عمل فسوف يركز على تعظيم الأرباح، حتى لو باع سلعاً مغشوشة أو أضر بالبيئة أو الملكية العامة، كتلك المصانع التي تتخلص من الصرف الصحي في غير أماكنه وتلوث المياه، بل حتى في الجامعات هناك البعض ممن يتربح من الوظيفة الأكاديمية على حساب سمعة الجامعة ومصداقيتها، ويعتبر الإهمال في أي شيء بصفة عامة هو أحد صور الإضرار بالصالح العام. أتمنى أن يتم تدريس محتوى فعال حول هذا الموضوع خصوصاً في سنوات الدراسة الأولى، ورفع الوعي المجتمعي حول هذه القضية.

• في الثقافات التي يعلو فيها صوت الصالح العام على المصلحة الشخصية نجد أن الجميع يتكاتف ويبذل كل ما لديه من أجل الكل. 

@Alaa_Garad

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر