مساحة ود

نحبهم وليتنا مثلهم

أمل المنشاوي

كلنا نحبهم، أولئك البسطاء الذين لا يفتشون خلف الكلمات، ولا يهتمون بتفسير ما لا نعنيه أو نقصده من أقوال وأفعال.

نحب أريحية صحبتهم ومتعة الحديث معهم، يقيناً بصدق إحساسهم بمن حولهم دون تكلف أو رياء. نحب نقاء نفوسهم وبهاء حضورهم كأنهم فيض من نور الله أو نفحة من ألطافه الخفيات. أولئك الذين يختصرون المسافات، مهما بعدت، بالسؤال الدائم والاهتمام، ويشاركوننا الأفراح والأحزان بقلب محب مخلص. نحب التماسهم الأعذار لمن حولهم، فلا عتب ولا لوم إن غبنا ولا قطيعة إن تأخر السؤال.

نحب سرد الحكايا معهم وتبادل القفشات والضحكات والنِكات، ننفض بهم عن أرواحنا ضجيج الحياة ونجدد بطيب مجلسهم إحساسنا بالخير والحب والنبل بلا غيبة ولا أذىً ولا اجتراء. أولئك الذين يشدون على قلوبنا وأيادينا في الأيام العسيرات، ويستوعبوننا حين تضيق الطرقات، فنجدهم جوارنا في كل مرة يهمسون بصدق: «لا شيء يستحق». نحب البسطاء الذين لا نهتم حين نلقاهم أي ثياب نرتدي ولا أي طاولة نختار مجلسنا ولا كيف ننمق العبارات. نحب الوقت معهم، نعشق قهوتهم، ونستمتع بأحاديثهم التي تفيض حباً للناس والأشياء.

أولئك الذين يقبلون عيوبنا قبل الميزات ويحسنون الظن بنا في أحلك الأوقات، ويدفعون بحبهم لنا الغيبات، ويتجاوزون عن الخطأ والنسيان.

نتأمل مثاليتهم أحياناً بتعجب، دون أن ندرك أن حسن الخُلق دعوة ربانية ووصفة إنسانية في كل الأديان وعلى مر العصور. كلنا نحبهم فهل نحن حقاً مثلهم؟ هل فتشنا في دواخلنا وأصلحنا عيوبنا وصوبنا نظرتنا لمن حولنا وقدمنا حسن النوايا على سيئ الظنون؟ وهل تساءلنا بصدقٍ لماذا نسمح لسوء الفهم كثيراً بأن يعكر صفو علاقاتنا بالآخرين، ونفتش في نواياهم فتغتم صدورنا؟ ولمَ التمسك بتوافه الأمور حتى تصيبنا أمراض القلوب من مشاحنات وبغضاء تؤثر حتماً على سلامنا النفسي؟

ولمَ الصراع والحياة تسع الجميع، وتسمح بالتعايش والتسامح وتنشر خيرها كل صباح علينا دون تمييز؟ لمَ التكلف والتجمل والرياء الذي يغير ملامحنا ويلبسنا ثوباً لا نرتاح فيه أبداً مهما حاولنا التعود عليه؟ بساطة الحياة وروعتها تبدأ وتنتهي من داخلنا، من بساطة العيش والتماس الأعذار وسلام النفس وعذب الكلام، واحترام الآخرين ومعرفة قدرهم، تلك البساطة التي تطيل العمر وتصح بها الأبدان وترتاح وتسعد معها الأرواح والقلوب.

@amalalmenshawi

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر