مساحة ود

الشِجار الجميل

أمل المنشاوي

كثيراً ما تقذف بنا الأقدار في طريقهم بلا موعد ودونما ترتيب وعلى غير ما نرغب، ثم يزداد الوضع سوءاً حين نختلف على أمرٍ ما سرعان ما يتحول إلى شجار على أشياء لا تستحق، تسابق على مقعد حافلة، طاولة طعام، مكان لصف السيارات، نقاش عمل حاد، رأي متعصب لفريق كرة قدم أو لوضع سياسي، وغيرها الكثير.

مواقف بسيطة في نظرنا، لكن كثيراً ما تكون وراءها حياة كاملة لم نتصور يوماً ما أن تكون هكذا بدايتها.

فكم مرة نظرنا فيها لوجه أعز أصدقائنا وابتسمنا حين نتذكر كيف كان اللقاء محتداً وعنيفاً.

كم مرة حفر الخلاف ملامح أحدهم في قلوبنا فأصبح نصفاً آخر وشريك عمرٍ بأكمله وكأن الحياة تكافئنا وتحتوينا، لكن على طريقتها.

كم مرة شعرنا بالامتنان لتلك المعركة الحامية مع غرباء تصافينا بعدها لتستمر علاقتنا بهم ما حيينا، نتزاور ونتشاور ونتشارك معهم عذب الأيام ومرّها.

وكم مرة تعارفنا على أطيب جارٍ بعد عراك أطفالنا مع أطفاله فوجدنا في بيته رحابة الصدر وكرم الاستقبال والسند والغوث عند المصاب وفي عصيب الأوقات.

وكم مرة تنافسنا على شيء اكتشفنا بعده أن أخلاق الخصم وطيب أصله أغلى كثيراً من أي انتصار حققناه.

وكم مرة شعرنا بالخجل من انفعال زائد أو ردة فعل مبالغ فيها تجاه ذاك الذي يزاحمنا أسبقية الطريق حين اكتشفنا أنه مضطر لينقذ زوجته.

كل هذا وذاك يحدث وأكثر، لكن ما يمهد له حقيقة أخلاقنا عند الاختلاف وشكل تربيتنا التي تهذب اندفاعنا وتملك زمام الغضب لتنتصر في النهاية مشاعرنا النبيلة ويتحول الصدام إلى ودٍ كبير، ويصبح «الشجار» الأجمل والأغلى على نفوسنا، حتى ولو أجبرتنا الظروف على كتمانه.

ومن أصدق ما جاء في الأثر مقولة «الناس معادن» يظهر رونقها وقيمتها الحقيقية في المواقف الصعبة وعند الاشتباك بالقول مع شخص آخر.

الخلافات العابرة أو تلك المتأصلة بالتراكمات يمكن حلها إذا حرصنا على اللياقة وكياسة التصرف، والتزمنا حد الأدب مهما كانت حدة الموقف أو غرابته.

ودوماً تقدير الآخرين والتعامل معهم باحترام أثناء الخلاف يفتح باباً للتعارف الجيد، ويمنح الحوار أريحية بعيدة عن التوتر، ويسمح ببناء علاقات تدوم ونسعد بها مدى الحياة.

• الخلافات العابرة أو تلك المتأصلة بالتراكمات يمكن حلّها إذا حرصنا على اللياقة وكياسة التصرف، والتزمنا حد الأدب.

@amalalmenshawi

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر