5 دقائق

يوم الوحدة والعِزّة

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

تعتز الأمم بأيام مجدها وفخرها، وبما تحققه من طموح، وما تناله من إنجاز، وهذا أمر طبيعي يتناسق مع حب الكمال الإنساني، ولئن كانت الإنجازات العظيمة حقّها أن تُذكر، وأن يُشاد بها، فإن إنجاز الاتحاد السياسي والاقتصادي الإماراتي هو أكبر وأحق بالإشادة، وأن يكون تاريخه مشهوداً، وفضله منشوداً.

لا جرم فإن الله تعالى قد جعل الاتحاد بين الناس الذي يوفقهم له من أجلّ نعمه على عباده كما قال جل شأنه: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾، فهو امتنانٌ بنعمة تأليف القلوب، ووحدة الصف، وجمع الكلمة، لما في ذلك من القوة والترابط، فربّنا سبحانه يذكّر عباده بهذه النعمة الجُلَّى، التي لا يقدر عليها غيره، فيعطيها لمن صفت نواياهم، وحسنت مقاصدهم، كما كان عليه مؤسس الدولة وباني نهضتها، الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه، فلما علم الله تعالى منه ذلك ألان له قلوب إخوانه حكام الإمارات المتصالحة، فجعلوا أيديهم المباركة في يده، وأسلموا له القياد، وأعانوه على الرشاد، فكانوا مثالاً يُحتذى لمن يريد الوحدة والاتحاد، وبفضل هذه النوايا الطيبة، قام صرح دولة الإمارات العربية المتحدة يوم الثاني من ديسمبر عام 1971م، ليبقى شامخاً يمخر في جو السماء سعادةً وحضارةً وقوةً وتقدماً صناعياً وتقنياً وعسكرياً وعلمياً.

فحُق لذلكم اليوم إذا ما تجدد مجيؤه أن يكون مشهوداً بالذكرى؛ تحدثاً بنعمة الله تعالى على هذه الأمة الإماراتية التي أصبحت لحمةً واحدةً، وجسداً واحداً، وروحاً واحدةً، هذه الأمة التي تزداد تلاحماً يوماً بعد يوم، لما ترى من تتابع مظاهر العزة والمَنَعة التي ينشرها قادتنا المباركون، الذين آلوا على أنفسهم ألا يتنازلوا عن الصدارة في كل شيء تناله أياديهم، وتسبق إليه هممُهم، والذين يرون أن حق هذا البلد أن يكون في مصاف الدول المتقدمة التي بنت نفسها من مئات السنين، فأصبحت تملك العلم والتقدم الصناعي والتقني والفضائي، فرأت هذه القيادة أن شعبها الوفي وبلدها الطيب المعطاء هما أولى أن يكونا في تلك المصاف، وها هم، حفظهم الله وبارك فيهم، وخلال خمسين سنة فقط أوصلوا الإمارات إلى الأولية المنشودة في كثير من المجالات، ومازال الطموح كبيراً، والتقدم لا يتوقف.

إن الاحتفال باليوم الوطني لدولتنا المباركة يعني تجددَ الولاء للقيادة الرشيدة التي تسخِّر كامل إمكاناتها لعزة الشعب، وتقدم الوطن، ويعني الوفاءَ للمؤسسين الذين تشابكت أياديهم في الثاني من ديسمبر، وأعلنوا قيام الاتحاد، وتجدد العزم على السير في الاتحاد إلى رُقِيّ يتلوه رقيّ، ويعني الحفاظَ على منجزات الاتحاد وحمايتها وزيادة بنائها، ويعني قبل ذلك وبعده تجددَ الشكر للواحد الأحد سبحانه، الذي منَّ علينا بهذه النعمة التي أضحت مفخرة البشر قاطبة، فبشكره سبحانه يزداد عطاؤه لنا، وحفظه لنعمته علينا، ومن شكره جلّ شأنه السير على منهج الآباء المؤسسين، في الحفاظ على هوية الوطن في عقيدته وتسامحه وثقافته، ومد يد العون لمن يحتاج شيئاً من متاع الحياة الدنيا، والتعايش مع العالم، والوفاء للإنسانية المتآخية التي تتكامل في حضارتها.

إن اليوم الوطني يعني لنا الشيء الكثير، فكما أنه يعني الوفاء للمؤسسين والولاء للقيادة؛ فإنه يعني الحبَّ لهذا الوطن أرضاً وإنساناً، ويعني الفداء له بالنفس والمال والولد، ويعني الاعتزاز بثقافته وموروثاته، ويعني العمل الجاد لزيادة رفعته، فكلما تجدد هذا اليوم كانت هذه المعاني حاضرةً في ذهن كل إماراتي، قد تعبّر عنها الألسنة الفصيحة، أو المظاهر البهيجة التي يشع ضياؤها أرجاء الوطن.

ولما كانت الدولة، ومعها الشعب، تترجم هذه المعاني بأقوالها وسلوكها، نجد أن كل من يعيش على تراب الوطن يشاطرنا شعورنا، ويحرص على أمننا، ويحترم نظامنا، ويُكبر قادتنا، وكل واحد منهم يرى أن عليه حقاً لهذا الوطن، لما يجد فيه من السعادة والأمن والنظام، فضلاً عن توافر الفرص للكسب الطيب والعمل النافع، فلذلك نراهم يحتفلون كما نحتفل، ويبتهجون كما نبتهج، وهكذا تكون ثمار التعايش التسامح الذي يُفقد في كثير من الدول.

إن الاحتفال باليوبيل الذهبي لدولة الإمارات العربية المتحدة ينبغي أن يكون احتفالاً عالمياً، لما حققته الدولة من التقدم المطرد، والأمن المستتب، والتسامح الإنساني، وذلك هو ما تنشده الأمم المتحدة التي يستظل العالم بظلالها، فحقنا عليها أن تجعل دولتنا يوماً عالمياً، حتى تشجع الأمم على مثل هذا النهج القويم.

* «كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»


لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

طباعة