5 دقائق

دون كهرباء

الدكتور علاء جراد

لا تمرّ دقيقة دون لمس التكنولوجيا، الموبايل لا يفارق أيدينا، الكمبيوتر وكل الأجهزة المحمولة الأخرى، التلفزيون، ثم الضروريات مثل الأجهزة الكهربائية، الثلاجة، الغسالة، ماكينة القهوة.. الخ. لكن كيف سيكون العالم دون طاقة لتشغيل كل تلك التكنولوجيا، دائماً ما كان يشغلني هذا السؤال، خصوصاً في ظل الاعتماد الحيوي على التكنولوجيا في كل شيء، من حركة الطيران والقطارات، والسفن، إلى المستشفيات والمرافق الحيوية.

بالأمس ضربت عاصفة قوية الجزء الشمالي الشرقي من اسكتلندا بالمملكة المتحدة، وعلى الرغم من التحذيرات السابقة وعلم هيئة الأرصاد بالعاصفة، ولكن توقفت الحياة تقريباً لمدة 24 ساعة.

بدأت العاصفة عصر الجمعة، واستمرت لمساء السبت، خلال ذلك انقطع التيار الكهربائي، وبالتالي انقطعت خدمة الإنترنت، حيث يعتمد الـ«واي فاي» في البيوت على التيار الكهربائي، وأيضاً توقف نظام التدفئة على الرغم من وجود الغاز، ولكن النظام مرتبط بوجود التيار الكهربائي، وبدأ البرد يزحف على المنازل، وبالكاد استطاعت كل الأغطية المتاحة إضفاء شعاع بسيط من الدفء في درجة حرارة تحت الصفر، وبالطبع بعد سويعات انطفأ نور الموبايلات، جارنا سارع إلى إحضار مولد كهرباء، حيث وضعت زوجته مولودها منذ أيام فلا مجال للمجازفة، وتم إلغاء القطارات والباصات كافة، وبالتالي لم أستطع السفر للتحدث في مؤتمر كنت أنتظره من العام الماضي، وكان سيصبح أول مؤتمر يُعقد حضورياً بعد غياب طويل.

لاشك أننا جميعاً مررنا بتجربة مشابهة، أياً كان البلد الذي نعيش فيه، ولكن في الماضي كانت الحياة أبسط من ذلك بكثير، ولم يكن انقطاع التيار الكهربائي مؤلماً لهذا الحد.

بعض التأملات البسيطة خلال هذا الموقف؛ أولاً كانت فرصة رائعة لتجلس الأسرة كلها في غرفة المعيشة متلحفين بالأغطية على ضوء الشموع ودون موبايلات أو تلفزيون أو نتفليكس. بالنسبة لابنتي الصغرى كانت أول تجربة في حياتها من هذا النوع، وكان الموضوع مثيراً ومخيفاً في الوقت نفسه بالنسبة لها، ولكني تذكرت هؤلاء الذين يعيشون هذه الحياة بصفة دائمة دون جدران تضمهم أو حضن عائلة تحنو عليهم وتطمئنهم، وآخرين قست عليهم بلدانهم يعيشون هذه التجربة في الظلام والبرد بين الحياة والموت ليصلوا إلى بر الأمان المنشود، كما تذكرت النعم التي نرفل فيها متناسين شكر المولى عز وجل على النعم التي لا تحصى، والتي نتعامل معها كأنها مضمونة تماماً. تذكرت أيضاً هواجس كثيرة عن المستقبل، وماذا لو لم توجد الطاقة الكافية والمستدامة لتشغيل التكنولوجيا التي سيطرت على كل حياتنا.

هل سيعود العالم إلى البدائية مرة أخرى ونعيش في أكواخ ونعود للطبيعة، ولكن بعد أن يتحول كوكبنا إلى أرض جرداء، كما تصورها أفلام الخيال العلمي؟ ما هو مصير أبنائنا والأجيال المقبلة؟ ماذا فعلنا لهم؟ وما دورنا الآن حتى نترك لهم عالماً يمكن الحياة فيه، عالماً آمناً لا يأكل البشر فيه بعضهم بعضاً؟ أسئلة كثيرة ومحيّرة، ولا أدري إن كانت لها إجابة، وإن كان هناك مجال لتغيير المسارات والاتجاهات، أم أن القطار قد انطلق ولا سبيل لإيقافه.

•هل سيعود العالم إلى البدائية مرة أخرى ونعيش في أكواخ ونعود للطبيعة، ولكن بعد أن يتحول كوكبنا إلى أرض جرداء، كما تصوّرها أفلام الخيال العلمي؟

@Alaa_Garad

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر