مساحة ود

النوافذ الجديدة

أمل المنشاوي

لا أملك يا أملي مهما حاولت سوى قلبي.. لا أملك إلا كلماتٍ تبقى تعبيراً عن حبّي.

تعذّب بحبها وكتب لها أشعاره هذه، وتتبّع أخبارها واكتفى بالأمنيات، وأخذت هي ما كتبه فيها وأعطته لصديقاتها يقرأنه ويتعجبن كيف لكل هذا الحب ألّا يُحَس ولا يحرك صخر قلبها.. كانت تريد اختبار الحياة كاملةً وألّا تكتفي أبداً بالعيش على هامشها، وتجاهلت حبه بقولها «لم يكن أبداً حلماً ولم أعده بشيء».

أحبت وتزوجت وأنجبت وبقي هو سجين حبها رافضاً محاولات الأخريات فتح نوافذ قلبه المغلقة وكأنه أقسم أن يتنفس عذابها ويعذب نفسه بها، حتى أفقدته الوحدة شبابه وأخذ الوهم أيامه دون أن يفيق، وعاش دون كلل يتتبّع أخبارها ويسأل عن أحوالها منتظراً لحظة قدرية، لم تأتِ أبداً، قد تعيدها له.

وصلتني «كراسة» أشعاره التي تقطر حباً ووجداً بعد أن تناوبن على قراءتها كثيرات قبلي، وكل واحدة تتبرع بإعطائها لصديقاتها.

قرأتها كاملةً في جلسة واحدة على كُثر ما حوته وأعدت قراءتها مرات ومرات، وكنت وقتها في بداية العشرينات ولي شغف بالشعر والأدب، وتأثرتُ بها كثيراً حتى حفظت أبياته الأولى، التي كانت إهداءً لعيونها في بداية دفتره المعذب الذي أرسله لها حين علم بموعد خطبتها.

كبرتُ واختبرت الحياة وأدركت أن القرارات المصيرية المؤلمة نصنعها أحياناً بانغلاقنا على وهم حبٍ وحيد أو فكرة اعتنقناها أو مشاعر نرفض أن تغادرنا ظناً منا بعدم قدرتنا المواصلة دونها، ثم نفيق في نهاية الطريق على الحرمان.

التغيير والتقلب سنة الكون وسمة الحياة، والقلوب تتآلف بالود والاحترام وليس بالحب الموجع، خصوصاً إذا كان من طرفٍ واحد، ذاك الذي يهين الكبرياء ويطفئ شمس الأيام، ويحبس طاقاتنا وإقبالنا على الناس والأشياء.

القلوب المكسورة بحبٍ وحيد، المغلقة على وهم الإحساس الأوحد، المستسلمة لأوجاعها تموت وهي على قيد الحياة على ما فيها من خير وسعادة وبدايات ممكنة مع كل فجر جديد.

صحيح أننا لا نملك مشاعرنا التي قد تؤذينا أحياناً حين تذهب لمن لا يستقبلها ولا يبادلنا وداً بمثله، لكننا نملك إرادتنا وكرامتنا وكبرياءنا، وهي مصدر حمايتنا والقادرة على انتشالنا من ألم الصد وذل الرفض، ووحدها دون غيرها من تفتح عيوننا برفقٍ على أوهام ما نشعر به.

لكل منا حظاً من السعادة والشقاء، لكن السعادة كثيراً ما تجلبها الأبواب والنوافذ الجديدة في حياتنا، لكن علينا أولاً أن نبادر بفتحها ونمنح أنفسنا وأعمارنا فرصاً حقيقية للحب والحياة.

• التقلب سنة الكون وسمة الحياة، والقلوب تتآلف بالود والاحترام.

@amalalmenshawi

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر