٥ دقائق

آفة الشراء القهري

الدكتور علاء جراد

يعتبر التسوّق والشراء بالنسبة للبعض متعة كبيرة، خصوصاً للشباب ممّن يهتمون بالموضة، وقد أصبح التسوق الإلكتروني بمثابة الطريقة الأولى للتسوق في العديد من الدول، خصوصاً مع توسع متاجر إلكترونية ضخمة مثل أمازون، إيباي، علي بابا، شين وجووم، بل أصبحت معظم متاجر التجزئة المعروفة تمتلك بوابة إلكترونية، خصوصاً خلال الإغلاق بسبب وباء «كوفيد». بالطبع شراء شيء مفيد نحتاجه لأنفسنا أو لأحبائنا متعة كبيرة، ولكن المشكلة أن هذا الأمر تحول الى إدمان وظاهرة مرضية، حيث انتشر ما يسمى Compulsive Buying أو الشراء القهري.

يستمتع البعض بشراء الكثير من المنتجات المخفضة السعر، ولكن قد يتحول الأمر لسلوك قهري، والشراء فقط بغرض الشراء، حيث يشتري الشخص سلعاً ليس بحاجة إليها، بل ربما يختلق الأعذار لنفسه أو للمحيطين به بأنه يحتاجها، وينتهي الأمر بسلسلة لا تنتهي من عمليات الشراء وتراكم المقتنيات، وما زاد الطين بلة هو تسهيل عملية الشراء، فيكفي حرفياً أن تنقر نقرة واحدة على زر «اشتري» في موقع أمازون ليتم إرسال المشتريات في اليوم التالي اذا كنت عضواً في نادي برايم، بل قد لا تحتاج أن تدفع فوراً، حيث أصبح الشراء الآجل الذي تتيحه شركات مثل «كلارنا»، هو القاسم المشترك لكل المهووسين بإدمان الشراء، فمثل تلك الشركات تقسط السعر على شهور عدة، وتعطيك فترة سماح للدفعة الأولى، ومن ثم فكل شيء تم تسهيله، ولكن سرعان ما تذهب السكرة وتجيء الفكرة – كما في القول المأثور – حيث تبدأ الديون في التراكم وتكتظ البيوت بالمشتريات عديمة النفع، وقد يحدث فقدان مصدر الدخل وتتحول المسألة إلى توتر ثم اكتئاب.

هناك أسباب كثيرة تؤدي لآفة الشراء القهري، منها جذب الاهتمام وتقليد الأقران، وحب الظهور والتباهي. ويقول الباحث النمساوي «كارل كولمان» إن الكثيرين يسعون لتخفيف الضغط الذي يتولد في نهاية يوم عمل مجهد بمكافأة أنفسهم بشراء غرض جديد، فالاستهلاك هو أبسط شكل من أشكال الدواء لإحباطات الحياة اليومية، ولكن المشكلة تكمن في أن المصابين بالشراء القهري يفقدون السيطرة على أنفسهم ويتحول الأمر إلى إدمان مثل الإدمان على المخدرات أو أي نوع آخر من الإدمان.

أتمنى أن تتكاتف وسائل الاعلام، والمؤسسات المجتمعية، والمؤسسات التعليمية، وقادة الرأي وعلماء النفس والاجتماع، وجميع المعنيين في تكثيف حملات رفع الوعي، وتنبيه الناس لأهمية التفكير والتوقف قبل الشراء، وسؤال أنفسنا هل يمكن أن تسير الحياة كما هي دون شراء ذلك الغرض؟ هل فعلاً أحتاجه؟ هل يستحق ذلك السعر؟ كما نحتاج إلى تعلم العيش ببساطة والاستغناء عن كثير من المقتنيات، وقد أثبت لنا الإغلاق أننا يمكن أن نستغني عن الكثير من الملابس والأغراض المادية، ويمكن أن يكتفي الإنسان بطاقمين أو ثلاثة من الملابس، وزوجين أو ثلاثة من الأحذية لفترة طويلة من الزمن. لابد أن نعلّم أولادنا الاقتصاد في الإنفاق والتوفير والاستعداد لما هو آتٍ، فلا أحد يأمن تقلب الأيام، كما أن التبذير من العادات المذمومة، وقد وصف المولى عز وجل المبذرين بأنهم إخوان الشياطين.

• «هل يمكن أن تسير الحياة كما هي دون شراء ذلك الغرض؟ هل فعلا أحتاجه؟ هل يستحق ذلك السعر؟»

@Alaa_Garad

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر