5 دقائق

بين الكمالية والتميز

عبدالله القمزي

الكمال صفة من صفات الله عز وجل، ونسمع كثيراً في حياتنا عبارة: «كلنا فينا عيوب، والكمال لله وحده».

لكننا كبشر لا نتوقف عن السعي لتحقيق الكمال في أي شيء، والساعي لتحقيق الكمال غالباً ما يكون صعب الإرضاء، لكن الحقيقة مختلفة لأن الكمالية أسلوب حياة قاسٍ قد يعطل تقدمك الوظيفي أو الحياتي.

أن تكون إنساناً فيجب أن تخطئ، الكماليون لا يقبلون بهذه الحقيقة ويرفضونها لأنهم لا يعترفون بنواقصهم. للتعويض عن تلك النواقص فهم يرفعون سقف التوقعات إلى مستوى عالٍ لا يستطيع أحد الوصول إليه، أو فلنقُل مستوى غير واقعي.

يضغط الكماليون على أنفسهم بشدة لتحقيق العلامة الكاملة في مهام يرونها مهمة، لكن المثير للسخرية أن هذا تصور ضيق للنجاح يقودهم مباشرة لذلك الكابوس المرعب الذي يقضُّ مضاجعهم: الفشل.

الكماليون لا يتحطمون فحسب عند الفشل في تحقيق هدف معين، لكنهم يغرقون في العار لأنهم يصمون أنفسهم بالفشل الذريع. ترتبط الكمالية بمجموعة مشكلات عاطفية أبرزها الاكتئاب والقلق، وفي بعض الحالات المتطرفة قادت أصحابها إلى الانتحار.

لا تنظر إلى الكمالية كأسلوب حياة، بل من حقك الطبيعي كإنسان أن تجرب وتخطئ، لا تقسُ على نفسك وانظر إلى الاختراعات من حولك فهي لم تأتِ كاملةً، بل جاءت بعيوب كثيرة، ومع الوقت تطورت وأصبحت بالحال الممتاز الذي تراها عليه.

يتردد الكمالي كثيراً في التخلص من هذه الصفة لأنه يظن أنها تمنحه ما يميزه ولو تركها سيصبح مثل بقية الناس. يقول الكمالي لغيره: أنا ناجح جداً بسبب هذه الصفة فلماذا أتركها؟! يعني أنه يرى هذه الصفة كقوة خارقة تسببت في النجاح الذي يعيشه.

الكمالية ليست قوة خارقة بل تجعل الشخص ضعيفاً وعرضة للمشكلات العاطفية. تخيل كم تستطيع أن تكون منتجاً لو تركت توقعاتك الخيالية جانباً. لا تقع ضحية لتصور كل شيء أو لا شيء، 90 / 100 مازالت درجة ممتازة.

يقع العقل البشري ضحية لهذا النوع من التفكير لأنه يبحث عن أنماط تبسط عملية صنع القرار، فمن السهل التمييز بين الأبيض والأسود لكن من الصعب تمييز درجات ألوان الرمادي مثلاً.

باستطاعتك دائماً تحقيق أهدافك دون كمالية، باستطاعتك إحراز درجة عالية مع مرتبة الشرف دون الحاجة للدرجة الكاملة، فكر بالتميز وليس في الكمالية.

لتجنب الفشل يترك الكماليون مهام يعلمون أنها صعبة، فيختارون مهامّ تبقيهم في منطقة الأمان، وبالتالي يخسرون ما قد يعلمهم تجارب جديدة في الحياة، والنتيجة أن الكمالي لا يضيف إلى خبرته شيئاً. تذكر دائماً أن الفشل تجربة إنسانية كونية وهو فرصة تعلمك كيف تنمو، الإحساس بالفشل أفضل من نجاح بلا طعم.

موقف

هدف كل التقييمات السنوية لأداء الموظفين أن تبرز الأداء المتميز وليس الكامل، ولا يوجد اعتبار للكمالية فيها، ولهذا سُميت مثلاً لا حصراً «جائزة دبي للأداء الحكومي المتميز». وطبقاً لخبراء الموارد البشرية: الكمالية هي أن تخترع طريقة جديدة لإنجاز العمل لم يُسمع بها من قبل كي تحصل على تقييم كامل أو (Perfect). فاترك عنك الكمالية وركز على التميز.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر