مساحة ود

أنصافٌ مبعثرةٌ

أمل المنشاوي

نلتقيهم بين حينٍ وآخر، تتآلف أرواحنا معهم، نرى صورنا في عيونهم، تتشابه ملامحنا وطباعنا بهم، نحب أوقاتنا بجوارهم، ونشاركهم بهجة الأشياء والضحكات والألوان.

بطريقة ما نشعر بأنهم أجزاءٌ من كيميائنا، ولديهم الرؤى والأمنيات والأوجاع نفسها، نتكئ عليهم في ضعفنا، ونذرف أمامهم، دون خجل، دموعنا.

تنبض قلوبنا لهم حباً ومودةً وسعادة، فيصبح منهم الحبيب والصديق والجار الطيب، ورفيقٌ تهون به متاعب الطريق.

نحتفظ بهم في صفحات ذكرياتنا القريبة، وبين طيات الأوقات الغالية من أعمارنا... نستدعي إحساسنا بهم، حين تطبق علينا الدنيا أنيابها، وتشقينا بتقلباتها، فيهون الصعب، ويهدأ الخاطر، ونتذكر كم نحن محظوظون بهم، وممتنون حتى للوجع، حين يعيدنا إليهم.

هم بعضنا، أنصاف لنا مبعثرةً في طرقات الحياة، تدهشنا لحظة لقائنا القدري بهم، كيف، ومن أين لقلوبنا الصغيرة أن تتسع العالم بهم حباً وفرحاً وتسامحاً وسلاماً؟َ! من أين لنا بكل هذا الطيب في وجه حماقات العالم، ونحن معهم؟ وكيف نغفر بصحبتهم كل العثرات والخيبات؟!

نجدهم خلفنا في الأوقات العصيبات سنداً وعوناً، يشاطروننا الحزن ويقتسمون معنا الوجع والفرح، ليؤكدوا في كل مرة أننا «نستحق»، أما أولئك الذين لا يشبهوننا ولا يبادلوننا وداً بود، فكثيراً ما نشقى بهم وبالوجود قربهم، فلماذا نجبر أنفسنا على البقاء معهم في مساحات ضيقة مشحونة بعدم التوافق، وبالتنافر، وتعكر صفو سلامنا النفسي؟!

زميل عمل غيور، أو جارٌ حاسد، أو شريكٌ زاهد، أو منافق صاحب وجهين، كل هؤلاء أشواكٌ في الحلق، وغصةٌ في القلب تكدر علينا صفو الأيام، فلماذا نستمر في علاقاتٍ هكذا مسمومة، بينما هناك من يتوافق معنا، ويخلص لنا الود، ويتمنى لنا الخير؟! اخلقوا مساحات واسعة بينكم وبين من لا تتوافقون معهم، وضيّقوا علاقاتكم بهم للحد الذي تستقيم معه راحتكم، ويستمر به هدوء النفس وسلام الصدر. «الأرواح جنود مجندة»، يجمعها التآلف والتشابه، ويشقيها الاختلاف، ذاك الذي لا نجد معه راحتنا، ولا يستمر به عطاؤنا بأريحية وراحة بال، فلكل منا أنصاف أخرى مبعثرةً، تتطابق معنا بدرجات متفاوتة، وتتدرج معها سعادتنا وراحتنا بقدر تشابهنا، والسعيد حقاً من وجد نصفه الكامل، وساعدته الحياة وظروفها ليكتمل به، ويكمل معه الرحلة إلى نهايتها. أنصافنا الأخرى المبعثرة تقابلنا على غير موعد، وبلا ترتيب مسبق، فتكتب الأقدار قصتنا معهم، بقاءً أو رحيلاً، وتلوّن أيامنا كما شاءت، لكن يظل الإحساس بهم محفوراً في تفاصيلنا ما حيينا، ومهما كانت النهايات.

@amalalmenshawi

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.

تويتر