مساحة ود

ذاك محمدٌ

أمل المنشاوي

أشفقَ كثيراً على من لم يختلِ بالله يوماً ولو لحظات، أشفق على من يختزل الإحساس به والشعور بعظمته فقط في فرض صوم أو صلاة أو زكاة.

أَشفقَ على من لم يرَ الله في كونٍ فسيح يقبل الاختلاف والتناقض والأضداد، ويُعلي من قيم الحق والصدق والإخاء.

أَشفقَ على أولئك الذين يحرّمون الجمال في بيت شعرٍ مرهفٍ، أو بهجة دفٍّ، أو نبض قلب يقع في الحب، من لم يشعروا بإنسانيتهم في الخير والعدل وسلام النفس، وكلها فيض من روح الله.

أَشفقَ على من لم يختبر الألم ليرى الله في انفراج أزماته، ويدرك نوره وسط عتمة القنوط، ويشكر نعمه حين يفضله عن سؤال الناس.

أَشفقَ على من لم يجرب لذة البكاء بين يديه حين تسد الأبواب وتعجز الحيل، فتأتي يد الله عوناً ومدداً يليق بقدرته لتؤكد حقيقة راسخة على مر العصور: «إن المنطق في كفة وتدابيره في كفة أخرى بعيدة».

أَشفقَ على من لم يذق السعادة حين يفتح يديه وقلبه بالعطاء فقط لوجه الله، دون منّة أو تفضل، ويوقن بأن «من يعطي خير ألف مرة ممن يأخذ».

أَشفقَ على المنغلقين على أفكارهم ورؤاهم وموروثهم، حتى تغدو حياتهم على هامش الحياة، عاشوا وماتوا ولم يفهموا حكمة الله.

أَشفقَ على الذين قتلوا وأفسدوا ودمروا، من دون أن يدركوا أنهم يحاربون الله.

أمّنَ الناس على أرواحهم وعباداتهم، وحفظ أعراضهم وراعى ووقر كبيرهم ورحم صغيرهم، عاش كريماً سمحاً، ومات مؤدياً الأمانة ومبلغاً الرسالة على أكمل ما يكون.

كان معلماً وقائداً فخلف من بعده أمة وأئمة أناروا عتمة الطرقات والنفوس، وبلغوا مجداً لم يبلغه أحد قبلهم.

هنا، في الخير، في الجمال، في العدل، في إنسانية كل منا، في النفوس الممتلئة حضوراً وحياة، فقط لكل هذا وأكثر جاء محمد صلوات ربي وسلامه عليه.

لم يكن قاسياً أو رافضاً أو منغلقاً، لم يكن متشدداً أو متعالياً أو مستأثراً بل سمحاً بشوشاً متمماً لمكارم الأخلاق.

ذاك محمدٌ الذي يزيدنا العمر ارتباطاً بنهجه وتسوقنا تقلبات الدنيا إلى طريقه طلباً للأمن والسلام، وتنتشلنا كثرة الصلاة عليه من عثراتنا وهمومنا.. ذاك محمد الأب الحاني والزوج الكريم، الأمين قولاً وفعلاً منذ البعث وحتى يقوم الناس لرب العالمين.

amalalmenshawi@

تويتر