5 دقائق

قهوة بلا سوشيال ميديا

عبدالله القمزي

محير جداً منظر المقاهي الممتلئة بالزبائن وتلك الخالية رغم أن الأخيرة فخمة ولا تقل أبداً عن نظيراتها الممتلئة. ما الذي يزيد الإقبال على مقهى وينفر الناس من الآخر لو كانت الخدمة والموقع مناسبين في المقاهي الخالية؟

يركز الناس هنا على الصرعات الجديدة. الناس ملولة تجرب شيئاً معيناً لفترة وتترك المقهى إلى آخر لتجربة الجديد هناك وتوثيق ذلك على «السوشيال ميديا». النتيجة أن حشود المتابعين تذهب لتجربة ذلك الشيء في المقهى «أ» وتتركه للشيء الآخر في المقهى «ب».. وهكذا دواليك.

هذا سبب ازدحام المقهى «أ» لفترة من الزمن قد تمتد إلى سنة، ثم يعاني تراجعاً في إقبال الزبائن حتى يغير قائمة حلوياته وشرابه ويبدأ في الإعلان عنها عبر «السوشيال ميديا» مجدداً كي يستولي على الزبائن الذين خسرهم لصالح المقهى «ب».

في قائمة كل مقهى من هذه المقاهي هناك المشروبات المعتادة: قهوة سوداء، كابتشينو، كافيه لاتيه. وهناك المشروبات الخاصة المتوجة بمشروب Signature أو الذي يميز هذا المقهى عن غيره والذي تحاضرك عنه النادلة محاضرة حتى الطفل يكشف زيفها، لأنها تحفظ الكلام عن ظهر قلب.

مشروبات Signature عادية جداً ولا شيء يميزها سوى السكر الزائد، تحصل على دعاية لا تستحقها على «السوشيال ميديا» وتهجم الجماهير لتجربة الجديد، ولأن «السوشيال ميديا» قائمة على الزيف والخداع فإن الزبون المتأثر يقنع نفسه بأن هذا المشروب هو الأفضل ويصدق الجميع الكذبة.

مقاهٍ أخرى تكتب كلمة Popular أو «يحظى بطلب كبير» على أكلة معينة، وهي حيلة تسويقية أخرى لا تقل براعة عن حيل «السوشيال ميديا» الترويجية.

مواقف

في مقهى طلبت شوكولاتة ساخنة فحاضرتني النادلة قائلة إنه ليس لديهم ما طلبته لكن مشروب Signature المميز يحوي قهوة وشوكولاته ساخنة، فطلبته. سألتني عن رأيي فقلت لها لا شيء مميز فيه، ولو عدت إليكم فلن أطلبه مرة أخرى، فأخذت تعدد «مناقب» قائمة المشروبات عليّ فقاطعتها بطلب الفاتورة.

في المقهى نفسه بعد أسبوعين طلبت شوكولاتة ساخنة من النادلة نفسها، فأحضرته لي ونسيت أنها قالت لي إنه غير متوافر قبل أسبوعين عندما أجبرتني على طلب مشروب Signature، وكانت الشوكولاته الساخنة رديئة محضرة بالبودرة.

××××××××××××××

جلست في مقهى جديد عليّ، جاءني النادل فقلت له لا أعرف ماذا أختار، ساعدني، فأخذ يعدد لي المشروبات الخاصة المطلوبة من الزبائن، فسألته ما هو المشروب الذي لا يطلبه أحد؟ ضحك بشدة وصمت، فعرفت أنه يكذب، فقلت له أعطني أي شيء لا يطلبه أحد على مسؤوليتي وسأدفع قيمته، قال لا أعرف شيئاً لا يطلبه أحد، قلت له أنت لا تقول الحقيقة فليست كل مشروباتكم محبوبة من الجميع، فظل مبتسماً ورفض الإجابة.

×××××××××××××××

في كل المدن الأوروبية التي زرتها تطلب الناس المشروبات المعتادة وليست مهووسة بالصرعات وتجريب الجديد، هناك تقدير للقهوة ومشتقاتها كما أن هناك تقديراً مماثلاً لعراقة المقاهي، فالناس هناك تذهب إلى مقهى بسبب جودة قهوته أو لعراقته وتاريخه الممتد لأكثر من قرن وليس من أجل مشروب Signature يستحيل تسويقه دون «السوشيال ميديا».

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر