مساحة ود

صورنا المنقوصة

أمل المنشاوي

نلهث دوماً خلف الكمال ننفض كل صباح حلم الأمس لنبدأ آخر جديداً، ننظر إلى حياتنا كل يوم لنفتش في جوانبها عن نواقص الصورة دون أن ندري أن الثمن هو أعمار وأوقات خالية من البهجة والسكينة والرضا.

نريد عملاً مميزاً وحباً متأججاً وزواجاً مستقراً.. نريد صحة ومالاً وأبناء أذكياء وحياة اجتماعية ناجحة ثم لا تنتهي الأمنيات.

يمتد الطريق كلما نظرنا إلى الأمام خلف الصورة المكتملة، وتتسع الخطوات فلا نشعر بما حولنا وبين أيادينا من النعم.

نبخس أنفسنا ما حققته ونطالبها بالمزيد حتى عندما نحتاج إلى راحة من صخب الحياة وقسوتها.

نؤجل كل سعادة اللحظة وجنون الأوقات التي لا تتكرر وضحكات سريعة الرحيل علّنا نضاعف المتعة مع صورة مكتملة تلوح في الأفق، دون أن نعي أنها سراب.

فارق شاسع بين الطموح الذي يدفعنا لتحسين قدراتنا وإمكاناتنا وبما لا يحرمنا ويحرم من حولنا العيش في قلب الحياة والاستمتاع بما هو متاح وبين التطلعات اللامتناهية التي تأخذ منا الحياة كلية وتتركنا على هامشها، فلا عشنا واقعها ولا وصلنا للصورة المكتملة التي يرسمها الخيال ويرسخها النظر لما في أيدي الناس.

فكم فرصة أضعناها، وكم حب رفضناه، وكم دهشة تجاهلنا ألقها، وكم طريق حدنا عنه، كم حياة لم نعشها بحثاً عن الكمال.

إدارة الوقت بين السعي والطموح من جهة وعيش اللحظات التي قد لا تتكرر من جهة أخرى فن يفتقده الكثير منا، لكنه غير عصي على التعلم والتدريب عليه، فهناك أشياء لا تتنظر وأخرى قد لا يسعنا العمر أو الصحة للاستمتاع بها مثل مراقبة ابن يكبر والنظر في ملامحه التي تتغير يوماً بعد آخر واللعب معه، أو التزود من دعوات أب أو أم بإدخال الأنس عليهما وصحبتهما وغيرها من الأمور الكثير والكثير.

الصورة المكتملة مرض يحرمنا متعة الاسترخاء والحاجة إلى اللامبالاة والفوضى في بعض الأحيان، يحرم أحبتنا مشاركتنا الوقت والأحداث، فقط لأننا نعيش في زمن لم يأتِ بعد ونتجاهل الواقع بكل ما فيه من خير.

ندرك ذلك بعد أن يجهدنا الطريق ونفيق على أننا حرمنا أنفسنا متعة الحياة على سعتها، وقتها فقط نختار بملء إرادتنا صورنا المنقوصة لنمسك ما تبقى من أوقات سعيدة.

حكمة أزلية أن يكون لكل منا نقص ما في صورته لنكمل في النهاية بعضنا بعضاً، لذا كما يُقال «أكمل مسعاك وعش يومك ولا تأبه لنواقصك فلا أحد مكتمل».

@amalalmenshawi

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

 

تويتر