مساحة ود

الرحيل

أمل المنشاوي

ترحل أرواحنا أحياناً عن مكان ونحن فيه، وعن أناس ونحن معهم وبينهم، وهو أقسى أنواع الرحيل، حين تغادر الروح بينما الجسد باقٍ يأكل ويتحرك ويتنفس ويعيش دون حياة.

الرحيل ليس مغادرة المكان فهذا أسهله على الإطلاق، بينما المؤلم والموجع رحيل النفس والهوى والاطمئنان.

نرحل عندما تضيق المساحات التي كانت يوماً ما متسعاً للحلم والفرح والاستيعاب، فيصبح الاستمرار بها عبئاً يومياً يحرمنا الهواء والحرية.

نرحل بأوجاعنا حين لا نجد من يفتح ذراعيه لنا ويهدهد أحزاننا ويستوعب ما تفعله بنا الحياة.

ننكفئ على احتياجاتنا حين يكون البوح بها، على مشروعيتها، ضعف.. حين يكون الغضب أمراً غير وارد رغم وجاهة الأسباب.

ترحل أرواحنا عندما يتساوى الوصل والجفاء أو الحضور والغياب فكل ما نشعره سواء.

نرحل عندما تسحب التراكمات جذوراً غرسناها واحداً تلو الآخر فنصبح غرباء مكان لم نعد ننتمي له بعد أن عشنا دهراً نظن أننا نملكه.

إذا خان صديق أو زهد شريك أو تذمر صاحب عمل أو شرد ابن

وقتها يصبح من العبث قتل أنفسنا في مساحات لم تعد لنا، بينما براح الحياة يسع الأحلام والأمنيات والعيش بسلام.

ففي كل صبح شمس جديدة وفرصة أخرى وشيء أفضل نستحقه،

هناك عمل آخر ينتظر وصديق جديد شيمته الوفاء والإخلاص، وحب جديد مستعد للقتال لأجل وصالنا، والكثير الكثير، فالحياة لا تقف عند وهم نخلقه بأنفسنا أو تتأخر لأجل البقاء مع من يزهد فينا.

تقدير النفس واحترام الذات يخلق إرادة قوية وناجحة ويعالج ندبات الأيام وينسينا قسوة من ظلمونا أو انتقصوا قدرنا، فنصبح قادرين على الغفران والامتنان لكل عثرات الطريق التي خلقت فينا روحاً جديدة أكثر نضجاً وسعادة.

قيمتنا الإنسانية كبيرة والخالق في علاه كرمنا فليس من الصواب امتهان أنفسنا مع روح تنفر منا أو مكان لا يريدنا، بينما هناك من يشبهنا ويرى في صحبتنا الخير ويثمن جهدنا ويعرف قدرنا.

البدايات الجديدة دوماً ممكنة لكننا من نهابها على روعتها وألقها؛

لذا دوماً ارحلوا بأرواحكم وأجسادكم حين يرفض منطق الأشياء البقاء وسط الخواء.

@amalalmenshawi

تويتر