٥ دقائق

المرأة التي كرّمها الإسلام

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

ستظل المرأة عزيزةً كريمةً مباركةً في ظل شريعة الإسلام السمحة التي انتشلتها من الحضيض، ورفعتها إلى مكانة الرجل في الحقوق والواجبات، وفي المقامات العاليات في الجنة التي أُعدت للمتقين.

لقد جاء الإسلام والمرأة تُعد من سقَط المتاع، في كل الدنيا؛ تباع وتوهب وتنهب وتورث ولا ترث وتوأد خشية العار، بل كانت أوروبا في أوج حضارتها تتناقش مناقشة سوفسطائية: هل هي مخلوقة من جنس الإنسان أم من جنس آخر؟! كما جاء في المؤتمر الكبير الذي عقد بمجمع روما، فجاء الإسلام ليقول: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ، وَالصَّادِقَاتِ، وَالصَّابِرِينَ، وَالصَّابِرَاتِ..} إلى قوله: {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} فلم يفرق بينهما بسبب النوع؛ لتعلم المرأة أنها تنافس الرجل في كل حقول الإسلام ومعانيه العظام.

فعلمت المرأة أنها لا تقل أهمية في نظر الإسلام عن الرجل الذي قد تكون له مهام شاقة لا تقدر المرأة عليها، لذلك أسهمت في حضارة الإسلام كما يسهم الرجل، إن لم تكن قد فاقته أحياناً، فلم تبالِ بحياتها من أجل نصرة الإسلام وشد أزر أخيها الرجل في الثبات على دينه، فكان منها وزيرةُ الصدق لرسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، وهي خديجة بنت خويلد، رضي الله عنها، التي ثبَّتت النبي عليه الصلاة والسلام لما فجَأه الوحي، وكان منها أولُ شهيدة في الإسلام وهي سُمية أم عمار، رضي الله عنها، وكان منها سديدة الرأي لتنقذ المسلمين من غضب النبي صلى الله عليه وسلم كما كان من أم سلمة، رضي الله عنها، لما أشارت على النبي إشارة خير وبركة في الحديبية، وكان منها المرأة المقاتلة التي تقف في الصفوف الخلفية لحماية الرجل في المعركة من الفرار كأم سُليم، رضي الله عنها، وكان منها المداويةُ للجرحى كفاطمة بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنها، يوم أحد، والساقية لهم كعائشة الصديقة رضي الله عنها يوم أحد، وكان منها المباركةُ في تشريع الأحكام كعائشة رضي الله عنها في قصة التيمم، وقصة الإفك، وكان منها المبينةُ لبعض أحكام الأسرة كخولة بنت حكيم، رضي الله عنها، كما في قصة الظهار، وكان منها المبينةُ لبعض أحكام المواريث كامرأة سعيد بن الربيع رضي الله عنها وعنه، وكان منها المجاهدةُ في فتح القسطنطينية كأم حرام بنت مِلحان رضي الله عنها وعن زوجها... إلى غير ذلك ممّا حظيت به المرأة في الإسلام من المواقف التي لا تحصى في مقال، ولا تخفى على القارئ.

هذه هي المرأة العزيزة المكرمة وهي أُمّ لها من الحقوق أضعاف ما للأب، وهي بنت ولها من الحنان والأجر على حسن التربية ضعف ما يكون على الابن، وهي زوجة ولها من الحقوق مثل ما عليها من الواجبات، وهي أخت لها من العطف والصلة ما قد يكون أكثر من الأخ، وهي جدة لها من البِر كما يكون للأم، وهي عمة وخالة وأمٌّ من الرضاع وأخت من الرضاع، وهكذا سائر القرابات.

ولها من المواريث مثل الرجل أحياناً، وأحياناً أقل – في مسائل قليلة - وأحياناً أكثر، وأحياناً ترث ولا يرث الرجل.

تلك هي موازين الدنيا، أما موازين الآخرة فهي الأعمال الصالحة التي يتنافس فيها المتنافسون، والتي بينها القرآن الكريم بقوله: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، ويقول: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}.

فالإسلام إذاً أعلى من شأن المرأة حتى جعلها مساوية للرجل في كل شيء، على ما ميزها به من الفضل في تربية النشأ وصناعة الأجيال.

وها هي دولة الإمارات العربية المتحدة تُحيي مكانة المرأة في المجتمع وتجعلها صنو الرجل في الواجبات كما لها من الحقوق، وذلك لمّا أثبتت جدارتها في التعليم فكانت الطبيبة الماهرة، والإدارية الناجحة، والمبرمجة المتقنة، والمهندسة الفاخرة، والجندية المقاتلة، والطيار المقاتل، فضلاً عن الوزيرة والسفيرة، وغيرها من الأعمال التي تثبت فيها نجاحها الفائق، وما الاحتفال بيوم المرأة العالمي إلا بيان لمكانة المرأة الإماراتية التي ينشدها الإسلام ودعت إليها القيادة الرشيدة التي تفاخر الأمم بوضع المرأة الإماراتية، مع الفارق العظيم في التدين والحشمة والعفة والوطنية والولاء لله وللوطن والقيادة.

 «كبير مفتين مديرإدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.

تويتر