٥ دقائق

عام التحصيل الدراسي

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

من حسن الطالع أن يبدأ العام الدراسي مع بداية العام الهجري، فنتفاءل أن يكون عام خير وبركة، تعود فيه الحياة الطبيعية والدراسة الحضورية بعد عام ونصف العام من دراسة مرئِيَّة، لم يكن منها ذلكم النفع المأمول في استيعاب المناهج وتطبيق النظريات، وإن كانت التقنية قد حققت فوائد عديدة، إلّا أنها لا توازي التحصيل العلمي الحضوري.

والمرجوُّ من الله تعالى أن يتمّم علينا نعمة رفع الوباء وإحلال العافية.

إن العام الدراسي يشكل مرحلةً عُمُريَّةً لكل طالب ورب أسرة، فالكلُّ يعيشه بعزم الاستفادة منه تحصيلاً علمياً وتربوياً، ليتأهل الطالب بعده إلى مراحلَ متقدمةٍ من التعليم، أو إلى خدمة وطنه ونفسه وأهله، وهذا يعني أن العزم لا بد أن يُصحب بالتخطيط المبرمج لمراحل السنة الدراسية من أول يوم، بحيث يسير التحصيل بخطىً متواصلةٍ يوماً بيوم، وحصة بحصة، فلا مجال للتراكم المعرفي الذي قد تعجز الأذهان عن استيعابه، وهذا التخطيط مسؤوليةٌ مشتركةٌ بين المعلمين والمتعلمين وأولياء الأمور، فالكلُّ له جانبٌ من المسؤولية، وإن كانت مسؤولية المعلم أكثر؛ لأنه الأقدر على تنفيذ مراحل التعليم بكفاءة؛ لمباشرته وخبرته التراكمية مع نفسيات ومواهب الطلاب المختلفة، ومهما كانت المنهجية والبرمجة من الجهات الإشرافية على التعليم مُعدَّةً؛ فإنها قد لا تكون فاعلة إذا لم يكن المعلم هو المفعِّل لها.

وأهم ما ينبغي التركيز عليه في مراحل التعليم في وطننا الغالي، هو التربية الخُلقية التي فرضت نفسها في التعريف قبل التعليم، والتربية مفهومها شاملٌ للسلوك الذاتي والأخلاق الفاضلة في الأقوال والأفعال، والتي تُكتسب من القدوة قبل التلقين، فيكون المعلم والمدير والموظف مثالياً في أخلاقه سلوكاً وأقوالاً، لأن الطالب يتأثر ويقتدي بالسلوك قبل أن يسمع المعلومة، وكما قال أمير الشعراء شوقي، رحمه الله:

وإذا المعلِّم لم يكن عدلاً مشى * روحُ العدالة في الشباب ضئيلا

وإذا المعلم ساء لحظَ بصيرةٍ * جاءت على يده البصائر حُولا

وما قاله شوقي ليس من سحر البيان، بل هو الواقع الذي شاهدناه ويشاهده كل فرد سلك طريق العلم، وتنقل في مراحله.

فكان من اللازم أن تكون التربية السلوكية حاضرةً في المدرسة بكل تفاصيلها، ولذلك كان المعلم الأول، صلى الله عليه وآله وسلم، معلماً بسلوكه كما كان معلماً بهديه؛ فكان «خلقه القرآن»، كما روت أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها، أي كان يتمثل القرآن في هديه الأخلاقي الذي هو ربع آيات الكتاب العزيز تقريباً، فكان عليه الصلاة والسلام قرآناً يمشي بين الناس، فيرى الصحابةُ الكرام، رضي الله عنهم، أخلاق القرآن في سلوكه من رحمة ومحبة وتواضع وصبر وإيثار ووفاء ورضا وإخلاص.. فتمثلوها في سلوكهم، ونقلوا ذلك لنا بما سمّي «شمائل الرسول عليه الصلاة والسلام وأخلاقه»، فأصبح علماً مستقلاً بذاته، علينا أن نهتدي به.

وهكذا يجب أن يكون المربي في مدرسته ومجتمعه؛ معلماً كان أو مديراً أو مشرفاً.

وأهم ما في التربية السلوكية غرس المفاهيم الوطنية، والولاء لله ورسوله ولولي الأمر والوطن، وغرس ثقافة المجتمع وعاداته وحضارته ومستقبله، حتى تكون هذه المعاني سلوكياتٍ حاضرةً لا تحتاج لتلقين، ولا اختبار.

والدليل على أهمية هذه التربية السلوكية ما رأيناه في الواقع المعاش من خراب الأوطان، وانتشار الجرائم، وإهدار الطاقات، لمَّا غابت من مناهج التعليم في الدول الأخرى، فلم يمكن ترقيع تلك الخروق الواسعة.

وأما المواد التعليمية النظرية أو التطبيقية فهي المقصود الأهم من المناهج، ومعلوم أن الدارسين أتوا إلى المدرسة ليجدوا تسهيلاً لفهم المنهج الدراسي حتى يستوعبوه ويحفظوه ويطبقوه، ولا يمكن أن يكون ذلك إلا بواسطة معلم تكون المادة التعليمية لديه ملك يديه؛ حفظاً، وفهماً، وتوصيلاً، وكأنها كرةٌ بيد رياضي ماهر، فهذا هو المعلم الذي يمكنه أن يغرس في ذهن الطالب المادة التعليمية، لاسيما النظرية منها كالتربية الإسلامية والعربية، فإن لم تصل إلى وعي الطالب فإن مهارة التوصيل لم تكن كافية لدى المعلم، فيُلقى باللائمة على الجهة الإشرافية التي لم توفق في الاختيار.

أما ولي أمر الطالب فهو العامل الناهض المساعد للمعلم والمدرسة، فعليه أن يتحمل جزءاً من المسؤولية بالإشراف والمساعدة، وغير ذلك ممّا يحتاجه الطالب الذي قد لا يهتم بأمر نفسه إن لم يجد المتابعة الحثيثة.

وفق الله أبناءنا وأعان المعلمين والمشرفين، وهو سبحانه ولي التوفيق.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر