5 دقائق

جريمة!

عبدالله القمزي

ألم تتساءل: «لماذا تتوقف في الشارع أو تبطئ سرعتك عندما ترى حادثاً؟»، لو أسفر الحادث عن وفيات ورأيت الشرطة يغطون الضحية بغطاء أبيض فلماذا تنظر وأنت تعلم أن المنظر سيؤلمك أو يخيفك؟ لأنه من الصعب النظر إلى الحادث والأصعب أن تتحاشى النظر إليه.

الحادث أو جريمة القتل أو الأعمال الإرهابية في أي مكان في العالم منظر مقزز وحدث كئيب، إلا أننا لا نتوقف عن تتبع أخبارها. هذا الشعور بالضبط هو ما يجعلنا نشاهد أفلاماً أو مسلسلات عن الجريمة.

تتنوّع قصص الجريمة في السينما والتلفاز، فهناك قصص الغموض، أو ما يُسمى «من القاتل؟»، وسير ذاتية للمجرمين، أو مشاهدة الجريمة مقلوبة، أي أننا نعرف المجرم وننتظر كيف سيكشفه المحقق، وأشهر من استخدم هذا الأسلوب مسلسل السبعينات الشهير «كولمبو».

لم تغب الجريمة مطلقاً عن السينما والتلفاز، لأنها تتغذى على خوف الجمهور منها. تطلق قصص الجرائم هرمون «الأدرينالين» في أجسادنا، وهذا الهرمون مفيد بجرعات قليلة يومياً، لأنه يعطينا مزيداً من الطاقة حتى ونحن غارقون في راحة مقاعدنا الوثيرة.

تجعلك الجريمة تفكر مع المحقق وتبقي عقلك مشغولاً بحلها، وإن لم يحلها المحقق فإن المنتج يخاطر بفقدان الجمهور، وذلك لأن عقولنا مبرمجة للاستمتاع بقصص الجرائم، وهناك جانب جاذب وآسر للجزء المظلم من شخصية أي إنسان.

هناك مسلسلات وأفلام ازدهرت على عشق الجمهور لشخصية المجرم، وأبرز الأمثلة سينمائياً «الجوكر»، وتلفازياً «وولتر وايت» مدرس الكيمياء الطيب، الذي تحول إلى «هايزنبيرغ» أكبر موزع مخدرات على الحدود الأميركية المكسيكية في مسلسل Breaking Bad الشهير.

كل عبارات «الجوكر» و«هايزنبيرغ» تطبع مع صورهم على قمصان وأكواب وجوارب وكل تماثيلهم ومجسماتهم تُباع بأسعار عالية ويقتنيها المهووسون بها.

المشاهد العادي لا يمكن أن يرتكب جريمة وهو يستنكر الجريمة إذا رآها حتى في الأوساط الترفيهية، لكن يوجد شعور إنساني يثير فضول كل إنسان لمعرفة دوافع ارتكاب أي جريمة، أو ما هي حدود أفعالنا لو لم يكن لدينا أخلاق أو وازع ديني أو خوف من الله. وهذا ما يجمع عشاق هذه القصص من الأفراد غير العنيفين في أي مجتمع.

موقف

حاربت هوليوود النهايات القاتمة خمسة عقود متتالية، وأخفقت الأفلام التي ينتصر فيها المجرم في شباك التذاكر، بينما ظلت النهايات القاتمة تلقى رواجاً في أوروبا، خصوصاً في فرنسا. في التسعينات ازدهر أدب الجريمة في دول إسكندنافيا بشكل اكتسح القارة الأوروبية، في الفترة نفسها ازدهرت سينما إسكندنافيا البوليسية، ولفتت انتباه هوليوود التي لم تتردد في شراء حقوق تلك الأعمال وأمركتها. عندما حدث ذلك سقطت المحرمات وظهرت النهايات القاتمة في هوليوود.

بالتوازي، ازدهرت المسلسلات البوليسية الإسكندنافية في العقد الأول من الألفية الجديدة إلى اليوم. كنتيجة اشترت أكبر قنوات أوروبا وبريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا تلك الأعمال ووفرت ترجمة لها. بينما أعادت هوليوود صنع بعضها بالأسماء نفسها مع تغيير أماكن القصص.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر