٥ دقائق

اليوم الذي نجَّى الله فيه موسى

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

اليوم العاشر من المحرم، والمسمى في لغة العرب «عاشوراء»، يوم مشهود في تاريخ الإسلام، وله فضل بما وقع فيه من حدث عظيم، وهو إنجاءُ نبيِّ الله وكليمه موسى بن عمران، عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فقد نجَّاه الله تعالى من عدوه الذي تولَّى بركنه، واعتز بجنده، وعزم أمره على أن يجتث كليم الله ومن آمن معه من بني إسرائيل، ومازال يطارده في البر حتى وصل سِيف البحر، فكان البحر من أمامه وفرعون وجنده من خلفه بغياً وعدواً، وعند اشتداد الكرب يكون الفرج العظيم، فأوحى إليه ربه سبحانه: ﴿أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾، وأمره جل شأنه أن ﴿اتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا - أي ساكنا - إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ﴾.

وهكذا يكون نصر الله لأنبيائه عند اشتداد الحَلَك، واستشعار الهلاك، تحقيقاً لوعده وما جرت به سنته التي أشار إليها جل شأنه بقوله: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾.

موسى عليه السلام هو نبيُّ الله وكليمُه، اصطنعه ربه سبحانه على عينه، فحُقَّ على كل مؤمن أن يشكر المولى سبحانه على نصره وهلاك عدوه الذي قال: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾، وقد كان أول الشاكرين سيدَ الخلق محمد بن عبدالله عليه صلوات الله وسلامه، الذي جعل هذا اليوم يومَ شكرٍ لله تعالى بصيامه، وتذكر حدثه العظيم، وقال لليهود الذين خالفوا نهج التوراة، وكابروا في اتباع ما وصَّى به موسى وعيسى، وما أُنزل في كتبهم من الإيمان بالنبي المبعوث آخر الزمان، وهو سيدنا محمد، عليه وعلى رسل الله أجمعين الصلاة والسلام، قال لهم: «نحن أولى بموسى منكم»، لأن موسى أخوه في الرسالة والديانة، فالأنبياء أولادُ عَلَّات، دينهم واحد، وهو الإسلام، وشرائعهم مختلفة، ولذلك أمره ربه سبحانه أن يتبع هُدى الأنبياء قبله فيما لم يوح إليه بشيء ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾.

ومن الوفاء لكليم الله، عليه السلام، أن أمرنا نبينا عليه الصلاة والسلام أن نتأسَّى به في هذا الشكر، فحثنا على صيام هذا اليوم، وبيّن لنا فضيلة الصوم فيه، كما روى مسلم من حديث أبي قتادة، رضي الله عنه، قال: وسئل عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: «يكفر السنة الماضية»، ولو لم يكن في هذا اليوم إلا التأسي بنبينا، عليه الصلاة والسلام، الذي ما ترك صيام هذا اليوم منذ بعثته، بل وقبل البعثة، كما كانت قريش تصومه، لو لم يكن إلا ذلكم التأسي لكفى المسلم حرصاً عليه، فكيف وقد بيّن ما فيه من الفضل!

إن يوم عاشوراء هو من الشهر الحرام الذي في صيامه فضل بعمومه، كما قال عليه الصلاة والسلام: «أفضل الصيام، بعد رمضان، شهرُ الله المحرَّم»، وكم للصيام من فضل في سائر العام؟! «فمن صام يوماً في سبيل الله، بعَّد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً»، لأن الصوم من أفضل العبادات، وهي العبادة التي قال عنها الحق سبحانه: «إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به» يعني جزاءً لا يدخل تحت حساب، غير ما يكون في سائر الطاعات المقدر أجرها بعشر حسنات أو سبعين أو سبعمائة، والمسلم الحريص لا يفرط في أجر كهذا وقد منَّ الله تعالى عليه بإدراكه.

وأما ما وقع في هذا اليوم من أسى على آل رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فذلك مما لا ينبغي أن يجدد الحزن فيه، فإن تذكُّر الأسى، ولاسيما تلك المعركة النكراء التي سجلها التاريخ بحروف سوداء على مرتكبيها، يدمي القلب قبل العين، والإسلام لا يريد منا أن نجدد الأحزان، لأنه دين عمل للمستقبل، لا لتذكر الأوجاع التي تؤثر في سلوك المرء وسلامة قلبه.

هذا هو هدي الإسلام في الحرص على سلامة القلب، فتلك دماءٌ طهر الله أيدينا منها، أفلا نطهر منها ألسنتنا؟ كما أُثر عن عمر بن عبدالعزيز، رضي الله عنه.

ومن مآثر يوم عاشوراء ما روي عنه صلى الله عليه وسلم: «من وسَّع على عياله يوم عاشوراء أوسع الله عليه سنته»، وهو ما نقله الأسلاف عن تجربة وجدوا أثر ذلك في حياتهم، فمن كان ذا سعة فليحرص على هذه التوسعة طلباً لسعة الله.

والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

• لا لتذكر الأوجاع التي تؤثر في سلوك المرء وسلامة قلبه.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر