5 دقائق

الامتحان الصعب

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

يعيش أبناؤنا وبناتنا هذه الأيام امتحاناتٍ علميةً دورية، كعادتهم أثناء وختام العام الدراسي، وتشكل الامتحانات العلمية هَمّاً كبيراً للدارسين والمدرسين وأولياء الأمور والمؤسسات التعليمية على حد سواء، كل ذلك ليُعرف مدى التحصيل العلمي الذي ناله الدارس، كما يُعلم من خلال ذلك مستوى المدرسين والمدارس، وهذا في الحقيقة عملٌ مبارك نافع، يحدد مستقبل الأمَّة والفرد.

ويَعدُّه أولو النظر البعيد درساً عملياً للامتحان الصعب الذي يُمتحن فيه كلُّ الناس، ولكن في زمان غير زماننا وحال غير حالنا؛ إنه الامتحان الذي يحدد مستقبل كل من يأتي ربه يوم القيامة فردا، ونتيجته أن يكون الناس فريقين، فريقاً في الجنة – نسأل الله أن يجعلنا جميعاً منه – وفريقاً في السعير – عياذاً بالله من ذلك.

والذي يجب تعلّمه من امتحانات التعليم في الدنيا؛ أن كل امتحان لابد أن يسبقه استعداد تام خشية السقوط، مع فارق السقوط بين الامتحانين، فالسقوط في الامتحان الصعب لا يشبهه سقوط، مع أن أسئلته سهلة جداً، هي: من ربُّك؟ وما دينُك؟ ومن هذا الذي بُعث فيكم؟ فمن كان قد عرف ربه ودينه ونبيه لم يصعب عليه أن يقول: ربي الله، وديني الإسلام، وهذا الرجل الذي بعث فينا هو رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فيأخذ نتيجة الامتحان فوراً، فيقال له: نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه، فيكون كذلك حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك.

وإن لم يعرف هذه المعاني في دنياه، يجيب جواب الراسب الساقط: هاه هاه لا أدري، عياذاً بالله من ذلك، وعندئذ يسمع النتيجة المُرَّة المشؤومة، التي يعذب بها، وقد كان بوسعه أن ينجح في هذا الامتحان السهل معرفتُه، العظيم أثرُه، لو أنه آمن بالله ورسوله واتبع النور الذي أنزل معه.

إن امتحانات الدار الآخرة أمرٌ لا مفر منه، وهي امتحانات متكررة ومهولة، غير أن فاتحتها الذي يكون عند أول منازل الآخرة هو الذي يحدد المصير، فمن نجح فيه فما بعده أسهل منه، ويكون مبشراً للناجح أن يأخذ شهادة الامتحان بيمينه، ومبشراً له يوم العرض على من لا تخفى عليه خافية أن عرضه سيكون منيراً، وأن حسابه سيكون يسيراً، وأن يكون موقفه يوم الحشر ظلاً ظليلاً، وأن يكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان كلامَ محبوب لمحب، كل ذلك لو أنه عرف ربه سبحانه في دار العمل، فعمل لذلك اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم، يوم {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ}، فما من عاقل إلا وهو يعلم أن هذا الامتحان آتٍ لا ريب فيه، غير أن الكثير لا يعمل له عملاً ينجيه، لشدة غفلته، وعظيم حجابه، والواجب على كل عاقل وهو في دار العمل أن يستعد لهذا الامتحان، ويعد له جواباً ينجيه، وهو أن يعرف الله تعالى إيماناً به سبحانه، وعبادة له جل شأنه، وعملاً بشرعه، فذلك هو الاستعداد الذي لا يخيب صاحبه.

إن النجاح في هذا الامتحان ليس كنجاحات الدنيا بشهادة تكون سبباً لوظيفة يعيش بها في الدنيا قليلاً، بل النجاح فيه ليعيش منعماً نعيماً أبدياً في جنة عرضها السماوات والأرض، فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أُذُنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فيها نعيم مقيم، لا نصبَ فيه ولا وصب، بل سلام قولاً من رب رحيم، ومع إخوة له على سرر متقابلين، ومع حور عين، كأنهن البيض المكنون، وفوق كل ذلك النظر إلى وجه الله الكريم الذي لا يعدله نعيم، ويوم أن يقول الرب سبحانه: يا أهل الجنة؟ فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك، فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك، قالوا: يا رب، وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أُحلُّ عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبداً، اللهم اجعلنا منهم.

هذا هو جزاء الناجح في الامتحان الصعب، لمن كان قد أعد له جواباً، وللجواب صواباً، ومن لم يفعل ذلك فإن الخسران المبين له بالمرصاد، ولعله يقول: رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت، فيكون الجواب: كلا.

نسأل الله تعالى أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

• إن امتحانات الدار الآخرة أمرٌ لا مفر منه، وهي امتحانات متكررة ومهولة.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر