5 دقائق

الخواجة عبدالقادر

الدكتور علاء جراد

أشكر جميع القراء الذين تفاعلوا مع مقال الأسبوع الماضي، وقد وصلني الكثير من الأسئلة عن «الخواجة عبدالقادر» وأين عاش ومن هو، لذلك أحببت أن أشارككم المتعة الفكرية والروحية التي عشتها خلال الشهور الماضية بحثاً في رحلة هذا الرجل، الذي يعتبره الكثيرون في مصر والسودان من أولياء الله.

توجد روايتان، الأولى تم عرضها في مسلسل رائع قام ببطولته المبدع يحي الفخراني، وهو متاح بالمجان على «يوتيوب»، وتصل نسبة الدقة بين المسلسل والقصة الحقيقية إلى 80%.

بحسب المسلسل كان «هربرت دوبرفيلد» إنجليزي الجنسية، أرسلته شركته في مهمة عمل للسودان، وقد رحّب بها لأنه كان زاهداً في الحياة ويرغب في الموت، وقد حاول ذلك بإدمانه الشرب وتعريض نفسه للموت خلال غارات الحرب العالمية الثانية، لذلك عندما جاءه قرار النقل رحّب على الفور، لكن يشاء المولى أن تكون هذه بداية حياته الحقيقية، فهناك التقى بالشيخ عبدالقادر، الذي كان يراه في المنام قبل سفره.

وقد أعجب بعادات أهل السودان العاملين معه، خصوصاً الصدق والأمانة والنظافة، والتزامهم بالصلاة والعبادات. وأصبح لديه فضول لمعرفة المزيد عن الإسلام، وبدأت بعض علامات نداء الإيمان تظهر له، فمثلاً كان يسمع حلقات الذكر التي يقيمها الشيخ عبدالقادر من على بعد ثمانية كيلومترات، ثم التقى الشيخ وعرفه، وأعلن إسلامه، وغير اسمه إلى عبدالقادر تيمناً بشيخه الذي كان يزوره في المنام، بعد فترة انتقل عمله إلى جنوب مصر، وهناك استمر في تعلم الإسلام والقرآن وقد بدأ الكثير من بركاته في الظهور.

في القصة الحقيقية التي رواها مؤلف المسلسل عبدالرحيم كمال، لا توجد اختلافات سوى في جنسية الخواجة، فقد كان ألمانياً وليس إنجليزياً، وقد سمع القصة من والده، الذي عاصر وتواصل مع الخواجة عبدالقادر، أمّا شخصية الشيخ عبدالقادر فهي للشيخ عبدالباقي المكاشفي، مؤسس الطريقة القادرية المكاشفية في السودان، الذي اشتهر بأنه يتحدث بكل لغات ولهجات من يتحدث إليهم، فعندما رأى الخواجة لأول مرة تحدث معه بلغته الألمانية، وهناك الكثير من الكرامات لكلا الرجلين الشيخ عبدالباقي المكاشفي والخواجة عبدالقادر.

إن هذا العمل في رأيي هو من أروع الأعمال في الدراما العربية على مر العصور، حيث يوضح كيف أن الإيمان الحق عندما يرسخ في الوجدان واليقين تسمو الروح، وتتلاشى الحواجز وتصغر الدنيا في عين المؤمن وفي قلبه، ثم يتسع قلبه للكون كله ويصبح المؤمن عبداً ربانياً يقول للشيء كن فيكون، كما أن العبادات دون عقيدة وإيمان راسخ لا تكفي، بل لابد أن يتشرب القلب بحب المولى، عز وجل، فيتسع القلب كله. كما تكسر هذه القصة القوالب الجامدة في أذهاننا عن الإيمان والحب.

إن هذه الرحلة هي تجسيد لمقولة الرائع إيليا أبي ماضي:

إن نفساً لم يشرق الحب فيها/‏‏ هي نفسٌ لم تدرِ ما معناها

أنا بالحب قد وصلتُ إلى نفسي/‏‏ وبالحب قد عرفت الله.

• الإيمان الحق عندما يرسخ في الوجدان واليقين تسمو الروح، وتتلاشى الحواجز وتصغر الدنيا في عين المؤمن وفي قلبه.

@Alaa_Garad

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر