5 دقائق

ماتي ستيبانيك

الدكتور علاء جراد

تعوّدت أن أبدأ محاضرتي الأسبوعية في مادة الثقافة والإدارة الاستراتيجية بحكمة، أو قول مأثور يتصل بموضوع المحاضرة، حيث أفتح المجال للطلاب للنقاش حول المقولة.

الأسبوع الماضي، بعد أن ذيلت المقولة باسم قائلها، لاحظت شيئاً في تاريخ الميلاد والوفاة (ماتي ستيبانيك 1990 - 2004)، أي أن صاحب الحكمة طفل توفي في عمر الـ14 عاماً، أثار الموضوع فضولي، وطوال الأسبوع لم أتوقف عن التفكير في ماتي والقراءة عن حياته القصيرة والغنية جداً، ورأيت فيه مثالاً رائعاً للتحدي والهمة والعزيمة والإلهام، وأردت أن أسرد عليكم القليل من فصول حياته القصيرة، كمثال للإلهام والصمود، وكحافز لمن يشعر أن حظه سيئ، أو أن ظروفه صعبة.

ولد ماتي بإعاقة نادرة جداً تؤدي إلى توقف نمو العضلات، وتؤثر في استهلاك الأوكسجين، حيث كان يتحرك طوال حياته بكرسي متحرك مجهز لحالته، في عمر الثالثة بدأ الكتابة، خصوصاً المقالات التي تنادي بالسلام والحب والخير، في عمر السادسة علم أن «أوبرا وينفري» ستوقف برنامجها الشهير عند اكتمال عامه العشرين، فكتب لها رسالة يقنعها بالعدول عن الفكرة، وبأن يستمر البرنامج حتى العام 25، وبالفعل أقنع هذا الطفل أوبرا وينفري بالعدول عن قرارها، وتمديد البرنامج خمس سنوات، وقد استضافته عندما كان عمره 11 عاماً، قالت بعدها إن هناك ثلاثة أشخاص فقط أثروا في حياتها، من الآلاف الذين أجرت معهم مقابلات، وأن «ماتي» أهم هؤلاء الثلاثة.

كتب هذا الصبي الملهم سبعة كتب حققت أفضل المبيعات، بالإضافة إلى سلسلة من كلمات الأغاني، بعنوان «أغانٍ من القلب»، أنتجتها شركة «سوني»، ضمن ألبوم حقق مبيعات خيالية، ويتم تداول مقولاته وآرائه والاستشهاد بها في مختلف دول العالم.

كان ماتي يعلم أنه سيموت مثل إخوانه الثلاثة الذين سبقوه بالمتلازمة نفسها، لكنه كان طفلاً شجاعاً وأراد أن يترك وراءه إرثاً للعالم، قال عنه الرئيس الأميركي السابق، جيمي كارتر، إن ماتي أكثر شخص غير عادي عرفه على الإطلاق.

أسس أهالي مدينة روكفيل في ولاية ميريلاند مسقط رأس ماتي، جمعية خيرية باسمه، كما تم إطلاق اسمه على الحديقة العامة بالمدينة، وقدّم سيناتور أميركي مقترحاً بتأسيس يوم عالمي للسلام، يوافق 17 يوليو ذكرى ميلاد ماتي.

لاشك أن ظروف ماتي كانت أفضل من كثيرين حول العالم لوجود من يؤمن به ويشجعه، ويحافظ على إرثه وينشره، ويخلد ذكراه، لكن مهما كانت التحديات فالإيمان يمكن أن يحقق المعجزات، ودائماً هناك طريقة طالما هناك إرادة، ومهما وهن الجسم وشحّت الإمكانات، فلولا المشقة لساد الناس كلهم كما قال أجدادنا، أتمنى أن نشحذ عزيمتنا جميعاً، ولا نستسلم للظروف وضغوط الحياة، ولنتذكر أن العالم يساعد من يساعد نفسه، وأن المولى، عز وجل، قادر على أن يلين لنا الحديد مادامت النية خالصة لله سبحانه وتعالى.

@Alaa_Garad

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر