5 دقائق

أشعر بالثراء

الدكتور علاء جراد

استمعتُ بالمصادفة لحوار بين طفلتين في عمر ثماني أو تسع سنوات تخبر إحداهن الأخرى، وهي في غاية السعادة، أنها قامت بعدّ مدخراتها أمس في الحصالة، ووجدت أن لديها 92 جنيهاً، قالت لها وهي تكاد تحلّق في السماء I feel rich أي أنها تشعر بالثراء، وأعجبني جداً تعبيرها، فبغضّ النظر عن المبلغ وقيمته الشرائية، فبالنسبة لها هو كبير بالقدر الكافي لأنه يمنحها الشعور بالثراء.

والحقيقة أنها قالت حكمة عظيمة جداً بذكاء فطري عفوي، فالثراء هو شعور وقناعة قبل أن يكون ممتلكات وأرصدة وأشياء مادية، وربما نجد أشخاصاً لديهم أرصدة بالملايين وممتلكات كثيرة، لكنهم لا يشعرون بالثراء، وفي حالة نهم دائم، ويلهثون على مدار الساعة في سباق لا ينتهي، ودون حد يقنعون فيه بأنهم أثرياء.

قديماً، قالها أجدادنا، إن الغنى غنى النفس، وإن القناعة كنز لا يفنى، وطالما أن الإنسان لديه ما يكفيه أن يعيش حياة كريمة، ولا يحتاج إلى أن يسأل الناس شيئاً، فلماذا التكالب على الدنيا، ولماذا الصراعات على المادة، لا أقصد أن يكون الإنسان غير طموح، ولكن أقصد أن يكون هناك حد أو سقف للصراع على المادة والأمور المادية، ومن وصل لمستوى الرخاء، لماذا لا يمدّ يد العون للغير، إن هناك الملايين من البشر - إن لم يكن المليارات - يعيشون تحت خط الفقر، ولاشك أن كلاً منا يعرف على الأقل 10 أو 20 شخصاً في حالة من الفقر المدقع، أو بالكاد يجدون قوت يومهم، إن أفضل عمل - من وجهة نظري - يمكن أن يقوم به الإنسان هو مساعدة الآخرين، سواء كانت هذه المساعدة مادية مباشرة، أو كانت في صورة أخرى مثل تسهيل فرص العمل أو الدراسة للبعض، أو تعليمهم شيئاً يمكن أن يفتح لهم باب رزق. إن العطاء من أسمى القيم الإنسانية، والأكثر من ذلك، إنه من أسماء الله الحسنى فهو سبحانه وتعالى «المعطي».

تقريباً لدينا إجماع على أهمية العطاء ونثمّن هذه القيمة، ولكن البعض فقط هو من يضعها موضع التنفيذ، أي يقدم شيئاً للآخرين مع العلم أن شيئاً بسيطاً جداً قد يشكل فارقاً إيجابياً في حياة الآخرين، فمن الممكن لقطعة من الملابس، حتى ولو مستعملة، أن تسعد إنساناً أيّما سعادة، ومن الممكن بمبلغ بسيط أن نساعد طالباً على إكمال دراسته، بل إن مبلغاً لا يزيد على 15 دولاراً يمكن أن يطعم أسرة كاملة لمدة شهر في بعض الدول، منها دول عربية.

وقد قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: «لا تَحقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوف شَيْئاً، وَلَو أنْ تَلقَى أخَاكَ بوجهٍ طليقٍ» رواه مسلم.

فالابتسامة والعناية بالآخرين هي الأخرى صدقة وعطاء، وإن التعاطف والاقتناع وحده لا يكفي، بل لابد أن يتبعه فعل، وقد سهلت التكنولوجيا الوصول إلى المحتاجين في كل مكان.

إنّ العطاء شعور حقيقي بالغنى والثراء، وكلما أعطيت أكثر فسيغنيك الله أكثر.

• ربّما نجد أشخاصاً لديهم أرصدة بالملايين وممتلكات كثيرة، لكنهم لا يشعرون بالثراء، وفي حالة نهم دائم.

@Alaa_Garad

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.  

تويتر