ملح وسكر

عصر الاحتراف

يوسف الأحمد

وسط تداعيات عصر الاحتراف الذي نعيشه، انتهجت الأندية سياسةً مفتوحة تجاه مواكبة متطلباته وشروطه، التي رفعت وتيرة الصرف إلى مستويات مهولة، أرهقت قوى وكاهل الميزانيات التي استُنزفت إلى حد الإنهاك عند البعض، والذي تأثر بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، وظهرت علامات التراجع والعجز من خلال الوضع والحال الذي وصل إليه.

- معظم الإدارات أغفلت الاهتمام بصغار النادي بعد أن استفردت الفرق الأولى بمساحة التفكير والتخطيط.

المبتغى من الاحتراف كان رفع المستوى والأداء، ثم تطوير إنتاج العناصر الوطنية لرفد المنتخبات بما يتماشى مع الالتزامات والمقررات الرسمية إقليمياً ودولياً، إذ جاء حينها هدفاً سامياً وذكياً لتشريعه وتطبيقه، وبُرهاناً مقنعاً كذلك لمتخذ القرار، الذي تفاعل ودعم هذا الخيار يقيناً ومراعاةً للمصلحة العليا.

وعلى أثر ذلك دخل الاحتراف من البوابة الكبيرة مُرحباً ومدللاً بالميزانيات والإمكانات المتوافرة من أجل خدمته وضمان نجاحه، حيث اندفعت خلفه الإدارات في سبيل تعزيز أدواتها، ورفع قدراتها للتكيف مع الواقع الجديد، ثم الحصول على نصيبها من كعكة التنافس، طمعاً في تعويض مصروفاتها، وأملاً أيضاً في إرضاء جماهيرها.

ولعل ذلك قد أطلق العنان للفرق في البحث عن العناصر والأوراق المُمكنة لتقوية خطوطها، وتأمين نواقصها، من خلال التعاقد والاستقطاب، الذي صار ومازال هاجساً مؤرقاً، وحكايةً لها فصول ودهاليز غامضة، أسهمت حرارتها في إشعال لهيب الشك والريبة، بسبب القفزات المالية، والصفقات الهلامية، التي لم تضاهِ عوائدها ومخرجاتها الفنية ذلك الصرف والدفع الجائر الذي حدث طوال العقود الماضية.

وبسبب ذلك، فقد هُضم حق البناء والتأسيس والاهتمام بصغار النادي، حيث أغفلت معظم الإدارات هذا الجانب، بعد أن استفردت الفرق الأولى بمساحة التفكير والتخطيط لديها، بل إن بعضها بَخِل بالمكافأة، واستكثر تحفيز وتمييز هذه الفئة التي تُشكل رُكناً رئيساً للكيان، فمثلما أخفقوا في ضبط التوازن بين الفئتين، فقد تكبدوا الجهد والوقت بين بحثٍ ومفاضلة، ثم مفاوضة ومساومة.. الخ، ليجدوا عندها القطار قد وصل بهم إلى محطة نهاية الموسم دون ثمرة ملموسة، لتدور بعدها العجلة من جديد لموسمٍ آخر، وبالسيناريو نفسه، وهكذا. لذا فالمنطقة الأهم التي يُفترض تكريس العمل وتركيز الجهود فيها قد أُسقطت، وأُهمل فيها استكشاف الخامات، وتنمية المواهب التي ستقود مستقبل أنديتها، ثم تتحول جنوداً لتدافع عن شعار بلدها في المحافل، وهي الغاية العظمى من منظومة الاحتراف التي مازال البعض، للأسف، في أول سطرٍ فيها، بعد سنوات من تطبيقها!

Twitter: @Yousif_alahmed

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر