ملح وسكر

«أنا خدمت النادي»

يوسف الأحمد

في خضم الأحداث المتسارعة تبقى المشاهد والمواقف حاضرة يستذكرها الناس، رغم دوران عجلة الزمن ورحيل الوجوه وانتقال الحال من مرحلة إلى أخرى، ولعل ارتباط الأشخاص بالأماكن سمة بارزة جعلت نمط حياة الكثيرين متعلقة بها، خصوصاً في محيط الأندية وما حولها، إذ إنها تُشكل رئةً يتنفس منها أولئك الذين يعتبرونها بيوتهم الثانية إن لم تكن الأولى، فهي تُمثل إلهاماً وإرثاً لا يمكن الاستغناء عنها، مثلما أنه يعد إحساساً فطرياً نابعاً عن حب وانتماء لتلك الكيانات التي ترعرعوا ونشأوا فيها، ليقضوا جُل شبابهم خدمةً وعطاءً متنقلين فيها بين مواقع ومراكز مختلفة من لاعبين إلى إداريين أو مدربين، ومنها مع نهاية المشوار إلى فئة المتابعين والمشجعين، بعد أن أكملوا أدوارهم وأنهوا مسؤولياتهم المطلوبة وحل مكانهم البدلاء.

في المقابل، كان هناك الجزاء والثواب بناءً على قدر ذلك العطاء والجهد، حيث استفادت الأغلبية من المزايا والمنافع التي حصلوا عليها من خلال انتسابهم لتلك المؤسسات التي انطلقوا منها، ولولاها لما كان لأسمائهم ذكرٌ أو أثر، فقد كانوا مميزين على صعيد المجتمع ولهم مساحة من الأولوية عن غيرهم، سواء بالعطايا والهدايا أو باحتياجاتهم الأساسية من دراسة ووظيفة ثم سكن، ما منحهم خصلةً تميزوا بها عن البقية ممن تكبدوا عناء الانتظار وعانوا مرارة التهميش، فهي حقيقة لا يمكن إسقاطها أو محوها من أرشيف الأندية أو دفتر الذاكرة.

في الوقت ذاته لايزال البعض يعزف على أسطوانة «أنا خدمت النادي» جاعلاً منها منّة يساوم ويباهي بها في كل مجلس ومقام، لكن الحقائق والشواهد تؤكد كذلك أن الخدمة لم تكن بالمجان، وإنما بمقابل كان في بعض الأحيان باهظ الثمن، فالأندية أُنشئت لتكون حاضنةً لفئات متنوعة من أفراد المجتمع منذ عقود طويلة، بل كانت أيضاً مظلةً لمن لجأ لها باحثاً عن تنمية وتطوير مهارة، أو صقل خبرة أو اكتساب شهرة، مثلما جعلها البعض بوابة عبور ومحطةً للوصول إلى تحقيق غايات وأهداف شخصية.

وقد يقول قائل إن الأندية أخذت واستنزفت منهم الكثير، إلا أنها في جانب كانت يدها سخيةً وكريمة، ولها إسهامٌ في حل مشكلات وتحسين وضع، بل قدمت أسماء ووجوهاً أصبحت بسببها من الأعيان، لها من الحضور والتوجيب عند كل محفل في وقتنا الحالي، لذا فإن المعادلة متوازنة، ومن الظلم أن تتحمل الأندية استغلال البعض وتماديه في شؤونها، متعذراً بمقولة «أنا ولد النادي وأنا خدمت النادي»، فكم من هؤلاء كان معول هدمٍ وخرابٍ لذلك النادي!

Twitter: @Yousif_alahmed

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .


لايزال البعض يعزف على أسطوانة «أنا خدمت النادي»، جاعلاً منها منّة يساوم ويباهي بها في كل مجلس ومقام.

تويتر