5 دقائق

الكلمة الطيبة وأثرها في النفوس

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

سيظل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، حفظه الله وبارك فيه، نبراساً يقود أمته العربية والإسلامية وشعبه العريق إلى كل كمال بشري، فمواهبه الواسعة تفيض معارف مختلفة، فهو شاعر كما هو ناثر، وهو سياسي كما هو اقتصادي، وهو حكيم كما هو عليم، ولا أدل على تعدد مواهبه المختلفة من الحكمة البالغة التي غرد بها، الأسبوع الماضي: «كلماتنا تمثل أخلاقنا وقيمنا ومروءتنا.. كلماتنا تمثل أوطاننا.. لنشرِّف أوطاننا».

- الكلمة الطيبة أصل عظيم في التعامل الاجتماعي، وهي التي تحقق المآرب للناس، وتكسب التواد والتراحم.

إنه ينشد الكلمة الطيبة التي تحمل الناس على التعايش السليم والنهج المستقيم، هذه الكلمة الطيبة التي بُعث بها الأنبياء والمرسلون، ودرج عليها السلف الماضون، يكاد يخفِت نورها في هذا العالم المتواصل تقنياً، فسهل الهرج والمرج والخوض في ما يعني وما لا يعني، لعدم وجود الرقيب الذاتي على الكلمة، وضعف الرقيب الولائي عليها، بحجة حرية الرأي، مع عدم صحة هذه النظرية في الواقع، فإن من الكلام ما هو جارح ومؤثر للقارئ، فضلاً عن المقصود به، ومثل هذا لا يقر عقلاً ولا شرعاً، فربنا سبحانه يقول: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾، ويقول: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾، فأمر بالقول الحسن مع القريب والبعيد، والصديق والعدو، ومثل هذه الأوامر والنواهي محمولة على أصلها من الوجوب في الأمر والتحريم في النهي، ومع ذلك فإن الناس يعرضون صفحاً عن كلام ربهم إلى الكلام غير الحسن، وبذلك تحصل التوترات والمهاترات، وكما يقول الشاعر: فإن الحرب مبدؤها كلامُ.

إن الكلمة الطيبة أصل عظيم في التعامل الاجتماعي، وهي التي تحقق المآرب للناس، وتكسب التواد والتراحم، الكلمة الطيبة هي خُلق الإسلام الذي جاء به النبي، عليه الصلاة والسلام، وبعث ليتمم مكارم الأخلاق، وقد كان يقول: «الكلمةُ الطيبة صدقةٌ، وكلُّ خطوةٍ تخطوها إلى المسجدِ صدقة»، أي تنال بها أجراً؛ لأنها تسر السامع وتشرح الصدر، وقد لا تغير من الواقع شيئاً، كما قال في حديث آخر: «لا عَدْوَى، ولا طِيَرَةَ، ويُعْجِبُنِي الفَأْلُ: الكَلِمَةُ الحَسَنَةُ، الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ».

ويقول: «في ابنِ آدمَ سِتونَ وثلاثُمِائَةِ سُلامَى أوْ عَظْمٍ أوْ مَفْصِلٍ، على كلِّ واحِدٍ في كلِّ يَوْمٍ صدقةٌ، كلُّ كَلِمَةٍ طيبةٍ صدقةٌ، وعَوْنُ الرجُلِ أخاهُ صدقةٌ، والشَّرْبَةُ مِنَ الماءِ يَسْقِيها صدقةٌ، وإِماطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ».

فانظر كيف جعل النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، الكلمة الطيبة في صدر الحسنات التي على الإنسان أن يتقرب بها لمولاه شكراً على نعمه عليه إذا أصبح سليماً معافى، فهذا هو منهج الإسلام الذي نشرف به ونتخلق بأخلاقه، فيتعين علينا أن يكون كلامنا كله طيباً ينفعنا عند ربنا، ونعيش به متحابين مع من حولنا.

وفضلاً عن ذلك، فإننا إن حافظنا على الكلام الطيب فإننا نقي أنفسنا من غائلة الكلمة التي إذا خرجت من الفم غير موزونة، فإن تبعاتِها كبيرة، فإنه يكون مؤاخذاً بها، فإنها لك ما لم تخرج منك، ولذلك ورد في الحديث: «وهل يُكب الناس في النار على وجوههم، أو على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم»، وكما قال الشاعر:

احفظ لسانك أيها الإنسانُ * لا يلدغنك إنه ثعبانُ

كم في المقابر من قتيل لسانه * كانت تخاف لقاءه الشجعانُ

ولذلك حث المصطفى، عليه الصلاة والسلام، أمته بقوله: «مَن كان يُؤمِنُ باللهِ واليَومِ الآخِرِ، فليَقُلْ خَيْراً أو ليَسكُتْ».

فكل هذا يدل على خطر الكلمة وأهميتها، وهذا ما غرد به شيخنا الكبير الملهم الموفق، بقوله: «شرف الرجل في كلمته.. دين الإنسان في كلمة.. بداية الخلق كانت بكلمة.. أبواب السماء تفتح بكلمات.. أقفال القلوب تكسر بكلمات.. العقول ترقى بالكلمة الجميلة.. النفوس والهمم تشحذ بكلمة صادقة.. كلماتنا تمثل أخلاقنا وقيمنا ومروءتنا».

فلنجعل كلامنا لنا لا علينا، ولنجعل كلامنا موزوناً راقياً، حتى نكون في مأمن من غائلة الكلمة، وكما قال صالح بن عبدالقدوس في حكمه:

واحفظ لسانك واحترس من لفظه * فالمرء يسلم باللسان ويعطَب

وزن الكلام إذا نطقت ولا تكن * ثرثارةً في كل ناد تخطب

حفظ الله سموه وبارك فيه وفي أهله وشعبه وأمته.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر