5 دقائق

الخديعة الكبرى

عبدالله القمزي

في ساحة وسط مدينة طلب قائد من جنوده ألا يطلقوا الرصاص الحي على المتظاهرين، وشدد عليهم أن يستخدموا الغاز المسيل للدموع فقط. كانت الأجواء متوترة وكان الجنود في موقف صعب لأن المتظاهرين يزجون بأطفال في الصفوف الأمامية. فجأة، بدأ الجنود بإطلاق النار وسقط طفل وأمه قتيلين.

صوّر صحافي الحادثة وحمّل الفيديو على موقع صحيفته، وهاجت الدنيا ضد الجنود «قتلة النساء والأطفال». وتناقلت وسائل الإعلام كافة ذلك الحدث الجلل حتى أجبرت قيادة الجيش على فتح تحقيق داخلي.

في مقابلة تلفزيونية سألت المذيعة الصحافي: «كيف تصف تصرف الجنود القتلة؟»، فقال: «كنت أقف وسط الميدان ومن مكاني أرى المتظاهرين والجنود، فجأة ودون سبب بدأ الجنود بإطلاق النار على المتظاهرين العُزّل. لقد كانت جريمة بشعة لا توصف».

تناقلت وسائل الإعلام في تلك المنطقة من العالم تلك الحادثة وطبع الخبر في كل أرجاء المعمورة، وأصبح اسم الجيش إعلامياً «جيش قتلة النساء والأطفال».

في اجتماع لمنظمة إرهابية، مدح الزعيم أتباعه وشرح لهم كيف انتصرت المنظمة إعلامياً وطلب منهم الاستمرار بزج الأطفال في المقدمة. اتصل زعيم المنظمة بالصحافي وشكره على ما فعل وأعطاه عنوان التظاهرة التالية.

استمرت وسائل الإعلام في إدانة قوات الجيش «القاتل» وأصبحت الحادثة رمزاً لوحشية الجيش، الذي استدعي قائده عند الرئيس الذي وبخه على استخدام القوة المفرطة في التعامل مع العُزّل. فقال القائد: «لم يكونوا عُزّلاً يا سيدي! لقد أطلقنا النار دفاعاً عن أنفسنا ورداً على إطلاق نار من الجانب الآخر، هذه نتيجة التحقيق».

خرج الرئيس في مؤتمر صحافي وأعلن ذلك. طبعت الصحف وبث الخبر. في اليوم التالي خرجت عناوين الصحف: «الرئيس يدافع عن جيش القتلة». استمرت وسائل الإعلام في هجومها على الجيش. أما في دول أخرى من العالم فكان الخبر: «الرئيس يبرئ الجيش» وصورة الخبر للطفل وأمه مضرجين بالدماء.

ماذا حدث بالضبط؟

في تلك الساحة عندما طلب القائد من جنوده ألا يطلقوا الرصاص الحي على المتظاهرين، وشدد عليهم أن يستخدموا الغاز المسيل للدموع فقط. كانت الأجواء متوترة وكان الجنود في موقف صعب لأن المتظاهرين يزجون بأطفال في الصفوف الأمامية.

كان هناك قناص تابع للمنظمة الإرهابية يراقب الوضع من داخل عمارة مجاورة، أطلق القناص رصاصتين باتجاه الجنود ثم هرب. بدأ الجنود بالرد على إطلاق النار فسقطت الأم وطفلها قتيلين.

صور الصحافي الحادثة من وجهة نظر المنظمة الإرهابية ونشرها في صحيفته وتناقلتها وسائل الإعلام على لسانه.

هذا ما يحدث عندما تنساق عقولنا وراء مصدر واحد. هذا ما يحدث عندما نقرأ التاريخ من وجهة نظر واحدة ونكتشف الكثير من الأكاذيب عندما ننوّع المصادر.

هذا ما يحدث عندما نصدق الظالم ونسوق أكاذيبه وبعد أن تتشوّه صورة الطرف الآخر في العقول، نكتشف أن الموضوع عبارة عن خديعة كبرى، وأننا كذبنا الطرف الآخر رغم أنه كان يدافع عن نفسه.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 


هذا ما يحدث عندما نصدق الظالم ونسوق أكاذيبه وبعد أن تتشوه صورة الطرف الآخر في العقول، نكتشف أن الموضوع عبارة عن خديعة كبرى.

تويتر