5 دقائق

قرارات سنة انتخابية!

عبدالله القمزي

كثير من القرارات التي تأتي من البيت الأبيض، خصوصاً خلال آخر أسبوعين، يبدو غريباً وغير منطقي من وجهة نظر استراتيجية على الأقل. علينا فهم وليس تفهم أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يمرّ بسنة انتخابية، وكل خطواته وقراراته مرتبطة بإعادة انتخابه.

من قرار سحب 9500 جندي من ألمانيا، التي يتمركز فيها 34 ألفاً و500 جندي أميركي، إلى خروجه من البيت الأبيض لالتقاط صورة أمام كنيسة، ممسكاً بالإنجيل (للعلم الرجل غير متدين، لكنّ جزءاً من قاعدته الانتخابية تضم متدينين)، إلى إصراره على عقد تجمعاته الانتخابية في الهواء الطلق، وسط الوباء العالمي المتفشي حالياً في ولايات الحزام الشمسي، أي بالضبط في عقر دار مؤيدي الرئيس، الذين أدخلوه البيت الأبيض.

فضلاً عن قرارَي إعادة فتح نيويورك رغم تحذيرات السلطات الصحية، وإنزال الجيش الأميركي في بعض المدن لإخماد الاحتجاجات، والقراران تم رفضهما من جانب حاكم نيويورك وحكام الولايات الأخرى.. كل هذه قرارات غير منطقية من وجهة نظر الشخص العادي، إلا للرئيس الأميركي نفسه.

أقوى قرار، من وجهة نظري، هو المتعلق بألمانيا، لأنه يمس الأمن الاستراتيجي الخارجي للولايات المتحدة وأوروبا معاً.

المشكلة أن طريقة صدوره غريبة جداً بمنطق حلف شمال الأطلسي، فالقصة بدأت بإعلان مسؤول عسكري في «البنتاغون» عن تخفيض القوات الأميركية المرابطة في ألمانيا، ونقلها إلى بولندا.

أبدت برلين استغرابها لأنه لم يصلها شيء عبر القنوات الرسمية والدبلوماسية، وهو شيء معتاد إلى حد ما في رئاسة ترامب، الذي اعتاد انتقادها علناً منذ عام 2017.

عندما حاولت الصحافة الألمانية تقصي القرار لدى «البنتاغون»، تجنب مسؤولوها ذلك، وطلبوا من الصحافيين التوجه إلى البيت الأبيض، ما يعني بشكل واضح أن القرار مسيّس وليس استراتيجياً. بكلمات أخرى، يريد ترامب سحب القوات بسبب خلافه مع المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، ويقال بسبب رفضها دعوته حضور قمة السبع، وليس بناء على معلومات على الأرض.

قرار تحريك الجنود لا معنى له من ناحية استراتيجية، ويجمع المحللون العسكريون على أن ألمانيا أفضل من بولندا من ناحية قدرتها على استضافة وخدمة القواعد العسكرية الأميركية، بما يسهم في قيامها بالواجبات المنوطة بها.

يريد ترامب من ألمانيا أن تدفع حصتها لـ«الناتو» (2% من ناتجها المحلي الإجمالي)، المتفق عليها عام 2014. اتفق أعضاء الحلف على دفع تلك النسبة بحلول 2024، باستثناء ألمانيا التي قالت إنها تأمل الوصول إليها بحلول 2031، وهو ما أغضب ترامب الذي قال: سأسحب بعض الجنود - دون تحديد تاريخ - إلى أن تكون برلين قادرة على الوفاء بالتزاماتها.

بالعربي: قرار ترامب يخالف التوجه العام لحزبه الجمهوري، الذي انتقده بشدة، ويخدم بشكل مباشر إعادة انتخابه من قاعدة ناخبين ربما لا تعلم حتى عن وجود جنود أميركيين في ألمانيا، وحتماً غير معنية بالسياسة الخارجية، كما يخدم روسيا. يخدم الجنود الأميركيون في ألمانيا حلف «الناتو» عسكرياً وليس الدولة المضيفة، ويدعمون القوات الفرنسية في الحرب على الإرهاب في الساحل الإفريقي. لا تستغربوا فهي قرارات مزاج انتخابي وهناك المزيد!

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .


أقوى قرار، من وجهة نظري، هو المتعلق بألمانيا لأنه يمسّ الأمن الاستراتيجي الخارجي للولايات المتحدة وأوروبا معاً.

تويتر