5 دقائق

جاهل لا يقرأ ومثقف لا يتحقق

عبدالله القمزي

«كوفيد 19» أول أزمة يمر بها العالم أجمع في عصر الـ«سوشيال ميديا» وحقبة «غوغل»، وانتشرت معها فيديوهات مزيفة وأكاذيب خطيرة وحملات تشويه سمعة، تغلغلت في عقول مستخدمي تلك المنصات.

أستغرب جداً انتشار صور مزيفة، إحداها للرئيس السابق باراك أوباما يتصدر مظاهرة للسود، مع تعليق: أين الكمامات؟! بمعنى أن ناشرها يروج لإشاعة أن «كورونا» خدعة.

بما أننا نعيش في حقبة «غوغل» الذكية، فلو كتبت في محرك البحث بالعربية أو بالإنجليزية: أوباما يقود/‏‏‏ يتصدر مظاهرة للسود، فسيتبين لك أنها تعود للعام 2015. الشيء نفسه بالنسبة لصورة أخرى لمظاهرات أمام الكونغرس بعنوان يؤسفني أنه بالعربية: «كورونا أكبر خدعة في التاريخ»، ولو تحققت منها في أقل من دقيقتين فسترى أنها تعود إلى 2018.

أستغرب من مستخدمي «تويتر» معروفين في مجتمعنا ويضعون حرف «د» أمام أسمائهم؛ ينشرون تلك الصور المضللة، فهل الجاهل والمثقف في مجتمعنا سواء؟ إذا لُمنا الجاهل لأنه لا يقرأ وما أكثرهم، فماذا نقول لمتعلم ومثقف يحمل دكتوراه وينشر مثل هذه الصور؟!

تصلنا أيضاً فيديوهات مضللة من جهلة (للأسف عرب) في أوروبا يصورون مظاهر عودة الحياة إلى الشوارع والشواطئ ويقولون: أين كورونا؟ لقد خُدعنا! هؤلاء لو كانوا يقرأون الصحف الصادرة هناك لعلموا أن أوروبا تخفف القيود تدريجياً، ولعلموا أن الفيروس ينحسر في دول تلك القارة.

العقل العربي - هناك استثناءات بالطبع - مبرمج على المؤامرة، مُصرّ على الجهل، لا يريد أن يقرأ أو يتحقق، يأخذ الكذبة وينشرها، وآخرون يعتمدون منصات إلكترونية نصبها جهلة غربيون بديلاً لوكالات الأنباء العالمية، وتقول لمتابعيها لا تصدقوا ما تقرأونه في وكالات الأنباء المعتمدة، لأنها موجهة من قبل الحكومات المتآمرة عليكم، وخذوا الأخبار من هذه المنصة التي تعطيكم الحقيقة! والجاهل لا يعرف من يقف وراء تلك المواقع المضللة ويقرأ أكاذيب وينشرها.

لماذا نهضت ألمانيا واليابان بعد الهزيمة المذلة في الحرب العالمية الثانية؟ واشنطن قيدت الدولتين عسكرياً لكن ذلك لم يمنعهما من التحول إلى قوتين اقتصاديتين ضمن أقوى خمس اقتصادات في العالم اليوم، ولم تمنع القيود الدولتين من التفوق في صنع الأسلحة.

لماذا خرجت كوريا الجنوبية من الفقر المدقع في الخمسينات وباتت في المركز 12 عالمياً؟ ولماذا نهضت فرنسا بعد الاحتلال الألماني وأصبحت سابع أكبر اقتصاد في العالم؟ وماذا فعلنا نحن العرب من الخمسينات إلى اليوم؟ لماذا تأخر العرب فكرياً وثقافياً ولم تسقط عليهم قنبلة ذرية واحدة؟ لماذا تأخر العرب بعد زوال الاستعمار؟ بالطبع لأن هناك مؤامرة في عقولنا منعتنا من التقدم.

لماذا لا توجد مؤامرة في العقل الكوري والياباني والألماني والفرنسي؟ ولماذا هي في عقولنا فقط؟

بالعربي: الجاهل عدو نفسه، والعقل الجاهل بغض النظر عن جنسيته وعرقه، سيشتري السمك من ميكانيكي وسيجري عملية جراحية عند حلاق! اختار العالم المتقدم العلم والقراءة، ونحن العرب اخترنا المؤامرة كعذر لجهلنا وإخفاقنا وتردي أوضاعنا. التضليل والكذب ولد من رحم هذا الفكر الغبي، ومشكلتنا مضاعفة لأن بيننا جهلة لا يقرأون ومثقفين لا يعرفون كيف التحقق من معلومة، وهذه أقسى وأمرّ.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 


أستغرب من مستخدمي «تويتر» معروفين في مجتمعنا ويضعون حرف «د» أمام أسمائهم؛ ينشرون صوراً مضللة، فهل الجاهل والمثقف في مجتمعنا سواء؟

تويتر