5 دقائق

ربنا تضرَّعنا إليك فارحمنا

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

إن مما لا ريب فيه أن هذا الفيروس ابتلاءٌ من الله تعالى لعباده، يصيب به من يشاء في نفسه، ويصرفه عمن يشاء، وقد عم جميع عباده، فلم يبق أحد إلا وقد أصابه ضرره أو نال من غباره وقَتَرِه، فالكل قد ابتُلي، ولكنّ بعضَ الشر أهونُ من بعض.. ولا ريب كذلك أن الكل قد لجأ إلى الله تعالى، وعلم أنه لا كاشف له إلا هو، وأن الضار النافع هو الخالق سبحانه وتعالى، وأنه لابد من الرجوع إليه، ومعرفة أنه الخالق المعبود سبحانه لا شريك له، وأن ابتلاءه لعباده هو تعريف بنفسه لعلهم يرجعون، فقد قلَّ الدعاة أو فقدوا في كثير من بلاد الله الواسعة الأرجاء، فاقتضت حكمته البالغة أن يعرفهم بنفسه بأخذهم بالبأساء والضراء، كما هي سنته التي أشار إليها بقوله جل ذكره: ﴿فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾. فإن من العباد من لا تنفع فيه الآيات والنذر، فكان لابد من أخذه بما يناسبه، وقد عمت مؤاخذته سبحانه جميع عباده، كما هي سنته سبحانه في المؤاخذة عندما لا يُؤمر بمعروف ولا يُنهى عن منكر، كما في قصة ركاب السفينة التي استهموا عليها، فكان بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها... حيث لم يقم الأخيار بالأخذ على يد الفجار الذين عاثوا في الأرض فساداً، باختراعات مدمرة، وتشريعات بائسة، ونظم فاسدة، وكل ذلك كان خروجاً عن سنن الإصلاح والعدالة الإلهية التي فرضها الحق على عباده أجمعين، والتي أنكرها أولو النهى، فلم يسمع لهم.

- طبيعتنا البشرية تقتضي استعجال المراد؛ لأننا لا نطلع على مخبَّآت الأقدار، وقد روى الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت دعوت فلم يستجب لي».

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

ونحن معاشر المؤمنين بالله رب العالمين الذين نتضرع إليه سراً وجهراً، وندعوه خوفاً وطمعاً، ونبكي بين يديه تذللاً وخشية، وهو سبحانه يسمع كل ذلك منا، ويدعونا لزيادة التضرع والإلحاح له جل في علاه، كما ورد: «إن الله يحب الملحِّين في الدعاء»، ولأن الدعاء هو مخ العبادة، كما صح في الحديث، فهو سبحانه يستزيدنا منه لأنه مراد له جل في علاه، كما أمر به ونهى عن تركه، كل ذلك لإظهار فقرنا إليه، وإظهار ملكوته على عباده.

ولا نرتاب أنه سبحانه يسمع الشكوى والنجوى، ويستجيب الدعاء، ولكن على وِفق مراده سبحانه، كما ورد: «ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله إحدى ثلاث: إما يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يدفع عنه من السوء مثلها»، وإن كانت طبيعتنا البشرية تقتضي استعجال المراد، لأننا لا نطلع على مخبَّآت الأقدار، وقد روى الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت دعوت فلم يستجب لي».

لذلك فإن علينا أن نغالب طبيعتنا البشرية فلا نسأم الدعاء، ولا نستعجل الإجابة، حتى لا نخسرها، بل علينا أن نُلحَّ ونلحَّ حتى تبح أصواتنا؛ فإن ذلك خير لنا في كل حال، فإننا بذلك عابدون، كما روى أحمد من حديث النعمان بن بشير، رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدعاء هو العبادة»، ثم قرأ: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي﴾، أي دعائي، فإن عجل الله تعالى لنا المراد برفع هذا الوباء فذلك ما كنا نبغي، وإن أخره فلحكمة أرادها هو أعلم بها، فإنه سبحانه العليم الحكيم، والعزيز الحكيم، وفيه خير لنا بزيادة تبتلنا إليه وتضرعنا بين يديه، فيكون زادَنا عند قدومنا إليه، وله سبحانه أن يقضي في خلقه ما يشاء ويفعل ما يريد، له الخلق والأمر، لا يُسأل عما يفعل، وما ربك بظلام للعبيد.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

 

تويتر