5 دقائق

«كورونا» والعالم المشتت

عبدالله القمزي

وسط التوتر بين واشنطن وبكين هذه الأيام، فإن نظرة متفحصة إلى أوروبا تكشف لنا انقسامات كثيرة تعكس ضعف بنية الاتحاد الأوروبي السياسية. بدأنا العام بتبعات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وبدخول عام الوباء، الذي وصف بـ«الكارثي» على أوروبا، فإننا نرى الانقسامات على أشدها.

تتهم دول شمال أوروبا الغنية (ألمانيا وهولندا والدانمارك والنمسا) دول الجنوب (إيطاليا وإسبانيا واليونان) بالرغبة في تحميل الشمال فواتير ديونها قبل «كورونا» المستجد (‏كوفيد-19)، واليوم دخل الفيروس على الخط واتهمت دول الجنوب الشمال بالتخلي عنه.

غرق أوروبا بشكل عام في الوباء يعكس عجز أنظمتها الصحية، واستعانتها بالصين لمدها بالمعدات والتجهيزات الطبية خلق نوعاً من التبعية، حسب المراقبين، وهو سبب تجنب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون انتقاد الصين، لكن في الوقت نفسه فإن فرنسا وهي القوة النووية الوحيدة في أوروبا بعد خروج بريطانيا، دعت إلى التماسك وتوحيد الجهود العالمية لمواجهة «كوفيد-19»، لكن دعوتها لم تجد تجاوباً خارج القارة العجوز، وبالتحديد من قبل واشنطن وبكين.

في خضم الصراع الأميركي - الصيني على تزعم العالم، وعلى إصرار واشنطن أن تتحمّل بكين مسؤوليتها عن نشر الوباء، نجد الدب الروسي يتراجع إلى الخلف، رغم وقوفه مع الصين في أزمتها مع أميركا، إلا أن القيصر قد لا يقدر على منافسة القطبين البازغين، وبالتالي تتضاءل فرص منافسته في صراع النفوذ.

بالنظر إلى العلاقات الصينية - الروسية نجد اعتماداً متزايداً لموسكو على بكين في الشق التقني. يتشارك البلدان حدوداً شاسعة، والتعاون بينهما كان كبيراً حتى قبل الأزمة، خصوصاً في الجانب الاقتصادي، وزاد البنك المركزي الروسي احتياطاته من العملة الصينية، ثم أتى الفيروس وضاعف من هذا التعاون، وشهدت العلاقات تبادل زيارات على مستوى الخبراء.

لكن نتوقع أن يكون مصير موسكو مشابهاً لمصير الاتحاد الأوروبي من ناحية التبعية الاقتصادية للصين. رغم ذلك، فإن روسيا والصين سترغبان في سد الفجوة الناجمة عن انشغال أميركا بالداخل.

واشنطن لا ترغب في رؤية موسكو تتراجع لسبب بسيط، وهو أنها العدو التقليدي منذ 70 عاماً، أو الشيطان الذي تعرفه، وبين البلدين خبرة في التعامل مع بعضهما بعضاً، وفهم لأحدهما الآخر، وخير إثبات اتفاقات خفض الرؤوس النووية.

بالعربي: في لعبة التوازنات الدولية تفضل أميركا عدواً تقليدياً تعرفه وليس الصين وهذه طبيعة البشر، لذا من المتوقع أن نشهد صراعاً في مناطق النفوذ التقليدي لواشنطن، مثل أوروبا والمحيط الهادي والشرق الأوسط وشمال إفريقيا. حتى الآن توظف الصين قوتها الاقتصادية والناعمة في مناطق النفوذ الأميركي. أما أميركا ففي وضع حرج اليوم، لكنها ستتفرغ للصين بعد القضاء على العدو الخفي.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر