كـل يــوم

لابد من وقف إنهاء خدمات المواطنين في المصارف!

سامي الريامي

في منتصف أبريل الماضي، أصدر المصرف المركزي تعميماً يطلب فيه من البنوك كافة، المحافظة على المواطنين العاملين في القطاع المصرفي، وعدم إنهاء خدماتهم أو خفض رواتبهم، بسبب تداعيات انتشار فيروس «كورونا».

وبعد ذلك بأقل من أسبوعين، استجابت بعض البنوك لتعليمات «المصرف»، لكن بطريقتها الخاصة، طريقة الالتفاف على القوانين، وعدم مراعاة أي ظرف اجتماعي أو إنساني، وأرسلت عقوداً جديدة لعدد كبير من المواطنين العاملين في تلك البنوك، هي بالضبط عقود «إذعان»، أو بالأحرى عقود «تطفيش وتفنيش»، تتضمن تخفيض الدرجات الوظيفية إلى أكثر من درجتين، مع تخفيض الرواتب من 30 إلى 40%، ومن ثم إعطاء الموظف خيارين لا ثالث لهما، هما التوقيع أو إنهاء الخدمة!

هكذا بكل بساطة، تعتقد هذه البنوك أن صلاحيتها تفوق صلاحيات المصرف المركزي، وتعتقد أن الأزمة الحالية التي يمر بها العالم بشكل عام، هي وسيلة، وفرصة مناسبة قد لا يمكن تعويضها مستقبلاً، للتخلص من عبء التوطين الذي لم تقتنع به أصلاً منذ سنوات طويلة، وكانت إجراءات تعيين المواطنين لديها شكلية فقط، وفي درجات وظيفية متوسطة ودنيا، من أجل الحصول على امتيازات حكومية، وذر الرماد في العيون، بينما الوظائف العليا، والرواتب المجزية، لا تعرف طريق التوطين، ونادراً ما ينالها موظف مواطن!

لا ننكر وجود أزمة، ولا نسلب حق أي جهة في وضع حلول مناسبة لتقليل خسائرها، لكن قطاع المصارف يحظى بدعم كامل من الحكومة، وسخّرت له الدولة مليارات الدراهم لضمان استقراره، وهي مستعدة لضخ المزيد منها إذا لزم الأمر، وعندما فعلت الحكومة ذلك، كانت على علم ودراية بأعداد الموظفين المواطنين العاملين في البنوك، وهي على علم ودراية بموقف البنوك المالي، ووضعها العام، ولأنها تدرك أنها قادرة على التعامل مع أزمة تفشي فيروس «كورونا»، من دون الحاجة إلى إنهاء خدمات المواطنين أو تخفيض رواتبهم، صدر قرار من المصرف المركزي بذلك، فلماذا لم تلتزم بعض البنوك بقرارات المصرف المركزي وهو جهة حكومية سيادية؟! سؤال تفوق خطورته خطورة إنهاء خدمات المواطنين في تلك البنوك!

إنها أزمة اجتماعية قبل أي شيء آخر، وإنهاء خدمات موظف في هذا التوقيت الصعب، يعني باختصار ضياع أسرة كاملة، فهؤلاء المتضررون معظمهم من صغار الموظفين، ذوي الدخل المنخفض، وتخفيض رواتبهم أو إنهاء خدماتهم يعني عدم استطاعتهم الوفاء بالتزاماتهم المالية، ومن ثم عدم استطاعتهم توفير الحاجات الأساسية لحياة أبنائهم وعائلاتهم، فهل فكر من اتخذ قراراً بهذا الشأن في تداعيات هذه القرارات الاجتماعية الصعبة التي سيواجهها هؤلاء البسطاء!

هل كان هذا هو الحل الأخير لحل أزمة البنوك الحالية؟ وهل فعلاً تعاني هذه البنوك أزمتها بسبب فيروس «كورونا»، أم بسبب سوء إدارتها؟ وهل التوفير في إنهاء خدمات مواطنين في وظائف بسيطة ومتوسطة هو الذي سيحقق عودة التوازن لهذه البنوك، وهي في الأغلب لا توازي ربع مكافآت كبار الموظفين وأعضاء مجلس الإدارة؟!

من غير المعقول أن يتحمل صغار الموظفين مسؤولية أخطاء كبيرة، تسبّب فيها أصحاب المناصب الكبيرة، ليقوم بعدها أصحاب المناصب الكبيرة بمحاولة تصحيح أخطائهم، عبر إنهاء خدمات الصغار، من دون أن يتحملوا هم نتيجة أخطائهم، ومن دون أن يحاسبهم أحد على سوء إدارتهم!

لابد من تدخل الجهات المعنية لحماية المواطنين في المصارف، لأن السكوت على إنهاء خدماتهم سيفتح باباً واسعاً على مصراعيه، وسيتحول إلى ما يشبه «الدومينو» في البنوك الأخرى، بل سينتقل إلى عدد كبير من شركات القطاع الخاص، وحتى الشركات شبه الحكومية، وليس سراً أن نعرف أن جميعها الآن تفكر في اتخاذ قرارات وخطوات شبيهة، فهي تراقب الوضع عن كثب، وبناء على ردة الفعل ستكون هناك أفعال كثيرة لاحقة، فهل نحن على استعداد للتعامل مع مشكلة أخرى لا يقل حجمها عن مشكلة انتشار فيروس «كورونا»؟

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر