5 دقائق

«كورونا» ونظرية المؤامرة

عبدالله القمزي

انتشرت نظريات المؤامرة بشكل انفجاري مع انتشار فيروس كورونا المستجد (‏كوفيد-19)، وتوالت الفيديوهات على تطبيق «واتس أب» للتراسل، التي تربط الفيروس بأميركا أو بالصين، أو الاثنتين معاً، و90% منها تربطه بأميركا.

يعمل عقل المؤامرة بطريقة معينة تختلف عن العقل الطبيعي، فهو يبحث عن مسببات للشيء لأنه لا يؤمن بالمصادفة، ولا يعترف بالغموض، لابد من وجود سبب لكل شيء، وإن لم يجد سبباً فإن العقل المؤامراتي يخترعه ثم يدعمه، بما يعتبره هو فقط دليلاً من الواقع ثم يصدقه ويروج له، حتى لو كان الدليل فيلماً شاهده، فهذا العقل يصدق الخيال ويعتبره الحقيقة إن توافق الأول مع الثانية.

انتشر فيديو للبروفيسور الأميركي، تشارلز ليبر، الذي تعاون مع جامعة ووهان، وكذب على الحكومة الأميركية بشأن مبالغ استلمها من الحكومة الصينية، وألقت السلطات الأميركية القبض عليه بتهمة التجسس، ولم يكن هناك أي ربط بينه وبين الفيروس.

لكن عقلية المؤامرة أخذت هذه الحقيقة وأضافت لها يقيناً نشر الفيروس، رغم أن الخبر نفسه يقول إن باحثاً صينياً استضافته جامعة هارفارد، حاول تهريب معدات بيولوجية خارج الولايات المتحدة، وألقت السلطات الأميركية القبض عليه.

كيف ربط عقل المؤامرة الخبر بانتشار «كورونا»؟ يعني أن الباحث الصيني هرّب الفيروس وضرب بلاده؟ أم أن أميركا أرسلته لينشره في الصين والعالم؟ وكيف نشر الفيروس بعد أن ألقي القبض عليه في بوسطن؟ أين المنطق؟

الفرضية الثانية: نشر الجيش الأميركي الفيروس في ووهان عندما استضافت الصين بطولة عسكرية رياضية عالمية، شاركت فيها الولايات المتحدة، التي اتهمتها مواقع شعبية صينية بنشر الفيروس. لو افترضنا صحة ذلك، فكيف تحولت نيويورك نفسها إلى بؤرة للوباء هذه الأيام؟ يعني أميركا ضربت نفسها؟ يعني إن أردت أن أهدم بيت منافسي لأنه أجمل من بيتي، فلماذا أهدم بيتي بعد أن هدمت بيت منافسي؟ هذا الجنون بعينه!

أخيراً، حققت المخابرات الأميركية في نشأة الفيروس الغامضة، ورجحت أن يكون تسرب من مختبر في ووهان قريب من سوق المأكولات البحرية بالخطأ، من دون تقديم دليل. حتى لو أثبتت المخابرات الأميركية ذلك، سيشكل الدليل صدمة لدى مروجي نظرية أميركا مصدر الفيروس وهم أكثرية، لكن هل سيتعظون؟

يأتي التصريح في سياق الضغط السياسي الأميركي على الصين، وشكك فيه الكثير من الخبراء ونفاه وزير الخارجية الصيني. يُذكر أن هناك توافقاً علمياً على أن نشأة الفيروس طبيعية ولم تتم في مختبر.

تعجز عقلية المؤامرة عن تقديم أي دليل، منذ ضربات سبتمبر وقصة اليهود الذين اختفوا من البرجين، إلى «كوفيد-19»، هذه قصص وهمية من نسج الخيال المؤامراتي الخصب، ولا يوجد لها أي توثيق رسمي في الأخبار.

بالعربي: الترويج للمؤامرة في «سوشيال ميديا» هو وباء آخر يعكس شعور المرسل بالهيمنة، نتيجة ظنه أنه مطّلع على معلومات سرية، وبالتالي يمتلك قوة غير موجودة عند الآخرين. يُشبع عقل المؤامرة رغبة نفسية بالسيطرة على الحقيقة في خياله وامتلاكها، ما يعني أفضلية على الآخر، لأن الحقيقة التي نعرفها لا تلبي ذلك، فيلجأ عقل المؤامرة إلى اختراع قصص من خياله حتى لو كان يشك فيها، وهذا سبب عدم قدرتهم على إثبات ادعاءاتهم.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر