5 دقائق

الطلاق لأتفه الأسباب كارثة اجتماعية

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

الكل يعرف أن الطلاق أبغضُ الحلال إلى الله تعالى، أي أن الله تعالى لا يحبه، لما فيه من أضرار وخيمة على الناس، أفراداً ومجتمعات، والكل يدرك هذه الأضرار، ومع ذلك تجد الكثير من الناس يبادر بالطلاق لأتفه الأسباب، كاختلاف في الرأي أو تقصير في واجبات البيت، أو عدم تلبية مطلب له أو لها، أو من أجل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي التي لا يرضاها أحد الزوجين، أو غير ذلك من الأمور البسيطة التي يمكن أن يتفادى الناس الطلاق عندها بشيء من الحكمة والصبر والأناة.

- لو أن الناس التزموا الهَدي القويم، لم يدب إليهم الاختلاف ولعاشوا في وئام وائتلاف.

ولو أن الزوجين أو أحدهما تنازل عن عناده، ولان في يد صاحبه، لعاشا في أطيب حال وأسعد بال، غير أن طيش الانفعال واستخفاف القول قد يحملان الزوج، الذي بيده عصمة النكاح، أو الزوجة الشرسة، إلى طلب الطلاق بإلحاح، فيقع المحذور ويكون كضربة لازب؛ لأن جِده جِد وهزله جِد، فلا ينفع شرعاً الندم بعد وقوعه، فلات ساعة مندم، لاسيما إذا كانت الطلقة الثالثة التي هي القاضية.

فكم نعاني، في الإفتاء، مباشرة، أو بإحالة من التوجيه الأسري، أو القضاء، من هؤلاء الذين يأتون إلينا لعلهم يجدون مخرجاً أو ترخيصاً ليتحللوا به من تبعات قولهم الثقيل، وكثيراً ما تكون المخارج مسدودة، قد أحكما سَدادها بسوء تصرفهما، فنستذكر قول ابن عباس، رضي الله عنهما: «ينطلق أحدكم فيركب الحموقة، ثم يقول: يا ابن عباس، يا ابن عباس، وإن الله قال: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا} وإنك لم تتق الله فلم أجد لك مخرجاً، عصيت ربك، وبانت منك امرأتك».

هذه هي حال كثير من الناس، الذين يعضّون أصابع الندم على سوء تصرفهم بسرعة الطلاق، لكن ذلك يكون عندما تذهب سكرة الطيش وتأتي تبعاتها من تفرق وضياع، وغرامات تثقل كاهل الرجل، وترمّل الصاحبة.

ولو أن الناس اتبعوا هدي الإسلام عند اختلاف الرأي أو النشوز، لم يصلوا إلى تلك العاقبة السيئة لهم وللمجتمع، فإن الله تعالى أوجب على الزوجة السمع والطاعة لولي أمرها وهو الزوج، وحرم عليها النشوز أو الإساءة أو رفع الصوت في وجهه، أو التقصير في بيته أو أولادها، فضلاً عن خيانته.

كما حرم على الزوج الإساءة لزوجته من تقصير في النفقة أو إساءة العشرة، أو غير ذلك، ما يكدر خاطرها ويضيع حقوقها، فلو أن الناس التزموا هذا الهدي القويم لم يدب إليهم الاختلاف ولعاشوا في وئام وائتلاف.

ومع افتراض حصول الخلاف فإن الواجب أن يمرّ بمراحل الإصلاح من وعظ ثم هجر ثم تحكيم، فإن لم تُجدِ السّبُل السابقة نفعاً فلا مانع من إيقاع طلقة واحدة في طهر لم يمسها فيه، بما يسمى بـ«طلاق السنة»، أي أنه على وِفق السُّنة التي تطلَّق فيها النساء، وليس الطلاق البِدعي الذي حرمه الإسلام، وذلك حتى يختبر كل منهما نفسه، هل يقدر على الفراق، فلعل في ذلك فرصة للتأمل في عاقبة الطلاق، حين يندم كل منهما، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمراً، مادامت العدة باقية.

فإن عادت الأمور إلى الوضع السابق من الخلاف، فتعاد وسائل الإصلاح السابقة لرأب الصدع من جديد، فإن كلاً منهما قد يكون غفل عما حصل منه في السابق، ولعل الذكرى نافعة لهما، فإن لم تفلح هذه الوسائل طلق الثانية في طهر لم يمسها فيه، ولعلهما يندمان ويودان العود إلى الحياة الزوجية الصافية، وتكون هذه المرحلة هي جرس الإنذار الأخير، فإنهما يعلمان أنه ليس بعد الثانية إلا الطلاق البائن الذي يقصم ظهر كل منهما، فإن عادا إلى الوئام فذلك هو المطلوب الذي يحبِّذه الإسلام، وإلا فإن الطلاق البائن هو الحل، ولعل الله يغني كلاً من سَعته»

فإذا كانت إدارة الخلاف بمثل هذا الأسلوب فإن العاقبة تكون سهلة، إذْ لم تكن إلا عن قناعة تامة، ومعرفة أنه لا سبيل إلى العيش معاً، وأن الفراق هو أخف الضررين، فينبغي للناس أن يفقهوا هدي الإسلام، ولا يتسرعوا للطلاق لأسباب تافهة، تكون عاقبتها ندامة دائمة.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر