كـل يــوم

الطاعة من باب الاحترام لا من باب الخوف!

سامي الريامي

تناقل الناس، أخيراً، مقاطع مصوّرة لحفل تخريج أكاديمية شرطة دبي، يقوم فيه الخريجون الضباط برسم صورة لشيوخ دولة الإمارات، مع كل حركة يتحركونها، وبشكل متقن ولافت وجميل، ينال استحسان ودهشة كل من يراه.

هذه اللوحات الجميلة لم تكن هي وحدها مفاجأة شرطة دبي في حفلها المبدع، بل كانت جميع لحظات حفل التخريج، حتى قبل بدايته، بل منذ الإعلان عنه إلى نهايته، مملوءة بالمفاجآت والتطوير والإبداع، لقد كان حقاً شيئاً مختلفاً لم تعتده المؤسسات العسكرية.

الاختلاف بدأ في تغيير مكان الاحتفال لهذا العام، وهو أمر خارج عن المعتاد، حيث اختارت شرطة دبي، للمرة الأولى منذ إنشاء كلية الشرطة، أن تقيم الحفل في قاعة عامة خارج أسوار أكاديميتها. كثيرون استغربوا هذا الأمر، خصوصاً أن العروض العسكرية لها طقوسها وأعرافها وصبغتها الخاصة المتعارف عليها من عشرات السنين، وقاعة أرينا حديثة جداً، ولم يسبق لها أو لغيرها من قاعات وأماكن دبي أن استضافت حفلاً كهذا أبداً، ما يُشكل تحدياً حقيقياً أمام قيادة الشرطة!

الفكرة هي أن تكون الشرطة قريبة من المجتمع، وأعتقد أنها وصلت بكل وضوح، وتنظيم الحفل في قاعة أرينا كان ناجحاً ومفيداً من جوانب عدة، أهمها أنه أتاح فرصة كاملة لأكبر عدد من أهالي وأقارب وأصدقاء الخريجين للحضور، ومشاركة أبنائهم وإخوانهم هذه اللحظات المفرحة البهيجة، فالقاعة هي الأكبر من نوعها في الشرق الأوسط، والشرطة فتحت باب الحجز والتسجيل إلكترونياً، تماماً كما يحجز أي شخص مقعداً في سينما، لم تضع الشرطة قيوداً، وسهّلت الأمر لتعم الفرحة لدى الجميع، ونتيجة لذلك ملئت القاعة الضخمة بالحضور، وقُدِّر عددهم بأكثر من 8000 شخص، بخلاف المدعوين العسكريين وضيوف الشرطة والحفل، مع العلم أن عدد الحضور في الاحتفالات السابقة، التي كانت تُقام في مقر الأكاديمية، لا يتجاوز 5000 شخص، شاملاً المدعوين.

الأهالي والحضور كانوا في قمة الراحة، فالمكان مريح جداً في بيئته وموقعه ومقاعده وسهولة الوصول إليه، بالإضافة إلى توافر مواقف السيارات، وهذه الأمور جميعها لا يمكن مقارنتها بالاحتفالات السابقة، ما يعني أن القيادة العامة للشرطة فعلاً أوصلت الفكرة بشكل مريح ومبتكر، فهي عملت على إسعاد وإراحة الأهالي، وكانت فعلاً قريبة منهم.

هذا القرب لم يكن فقط في اختيار قاعة أرينا المريحة للحضور، بل سبق ذلك الحفل بفكرة إنسانية أخرى أكثر جمالاً، حيث أطلقت مبادرة «ملامسة قلب أم»، هذه المبادرة كانت لبث الفرحة والسعادة في قلوب أمهات جميع الخريجين، حيث انطلق فريق نسائي من الشرطة، وزار بيت كل خريج داخل الدولة وخارجها، الجميع دون استثناء، والتقى الأمهات ليقدم لهن دعوة حضور الحفل، والزي العسكري الذي ارتداه أبناؤهن في فترة التدريب، إضافة إلى ميدالية ذهبية عرفاناً وتقديراً لهن، ولإثبات أنهن هن صاحبات الفضل الأول في نجاح هذا الخريج.

فكرة مذهلة لم تلامس قلوب الأمهات فقط، بل لامست قلب كل من سمع عن هذه المبادرة، فبمثل هذه الأفكار وهذا الإبداع وهذا الابتكار يعشق الإنسان مكان عمله ويبدع فيه، وبمثل هذه الأفكار تقترب الشرطة من المجتمع فتحظى بالتقدير والاحترام والطاعة، الطاعة من باب الاحترام لا من باب الخوف!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر