5 دقائق

المؤثرون واللامؤثرون في حياتنا اليومية

جمال الشحي

كيف يتسنى لنا فهم خط سير المجتمع ومواكبته والنهج على وتيرته ذاتها؟ كما هو معلوم، إن المجتمعات عامة لها نبض مغاير في حركة التغيير، وقد يخطئ الأفراد الذين يعتقدون أن الأحوال العامة ثابتة لا تتغير، فهي عرضة للتبدلات الدورية التي لا يشعر بها المجتمع مباشرة، لأن عجلة الوقت تدور ولا تتوقف أبداً. كما يخطئ مَنْ يعتقد أن هذه الحركة يُمكن التحكم بها بسهولة. التغيير ببساطة سُنّة كونية، والزمن كالمدحلة، هذه الآلة التي تأخذ الرواسب والشوائب وتسويها بالتراب، وتعمل على تغيير الأفكار الشاذة وغير المألوفة ببطء، تزيل الزيف وغير المرغوب فيه، ومواصلة مسيرة المجتمع، غير عابئة بالطارئين والمهرجين وعديمي الكفاءة، فهي تتركهم وراءها يصيحون تحت عجلات الزمن.

المجتمعات الحضارية التي تنظر إلى أفق المستقبل، تنظر إلى موضوع الكفاءة والقدوة بين أفراد المجتمع نظرة موضوعية وجادة، وعلى أساسها تبني سياساتها المستقبلية، وإن لم تجد الكفاءة في بعض الميادين والتخصصات، تعمد الحكومات إلى بناء الكفاءات على أسس علمية، وتصنع مواردها المحلية عبر خطة عمل طويلة المدى، حتى لو استغرق ذلك سنوات طويلة، لأن المحصلة في النهاية تعادل الجهد والعمل الذي أنفق لأجله.

في المقابل، هناك ما يمكن أن نطلق عليه صناعة القدوة الحسنة في جميع المجالات، والمساهمة في ملء الفراغ الذي يعانيه عدد كبير من أفراد الجيل الجديد. يوجد توجه كبير بين فئة الشباب في أوساط نجوم الرياضة والموسيقى ووسائل التواصل الاجتماعي في مجتمعاتنا المحلية، وهم يتصدرون الواجهة الإعلامية في فضاءات الشباب. ولابد من الإشارة إلى أنه قد نختلف في البعد المعرفي والتعليمي الثقافي أيضاً لكثير من المؤثرين الذين يتصدرون الساحات، لكننا نتفق على مبدأ وجود كفاءات على مستوى عالٍ في حقول مختلفة، وميادين أخرى مثل الثقافة والاقتصاد والتعليم، بل أكثر من ذلك قد تتخطى الحدود، وبذلك تصبح قدوة حسنة للشباب الطموح الذي يسعى إلى تطوير المجتمع ونقله إلى التطلعات المستقبلية. وهنا لابد من التركيز على خطورة القدوة ومنهجها، فهي التي تتحكم في هذا التطور المنشود الذي تنتظره الأجيال المقبلة، لذا فإن تقليد الأشخاص الزائفين واتباعهم من شأنه أن يعمّق الفجوة الحاصلة بين التوجه إلى الأمام، والتراجع إلى الوراء، بل أكثر من ذلك قد يُدخل الشباب في حالة من عدم الفهم والضياع بين القول والفعل، وهي حالة تُصيب أكثر المؤثرين الذين يمارسون تأثيراتهم في الشباب، ويتبادل معهم الشباب الإعجاب والانبهار، دون وجود أثر ملموس أو إنتاج فكري أو إنجاز علمي خارج حدود الفضاء الافتراضي، لذلك تصعب عملية التواصل الحقيقية في حالات بسيطة ومألوفة، مثل ضياع جهاز الهاتف أو قطع خدمة الإنترنت عن هؤلاء المؤثرين. وبمجرد اختفائهم من الواقع الافتراضي ينعدم تأثيرهم في الواقع اليومي. وهكذا ومن أجل فهم خط سير المجتمع ومواكبته، لابد من التأكيد على البعد الثقافي والمعرفي للشخصيات المؤثرة، لأنها تسهم في بناء الأجيال المقبلة، ويكون أثرها يمتد على سنوات طوال.

يقول صاحبي: لماذا يتوافر لدينا كثير من القيادات، وقليل من القدوات؟!

قلت له: لا تعليق.

jamal.alshehhi@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر