5 دقائق

نحنُ في عيون الآخرين

جمال الشحي

كيف ينظر إلينا العالم في ظل ما توصلنا إليه من إنجازات وتطورات، في مختلف نواحي الحياة الاقتصادية والعمرانية والتجارية، وأيضاً البشرية، بعد تجربة تنموية طويلة امتدت لأكثر من ثمانٍ وأربعين سنة منذ قيام دولة الاتحاد؟ هل استطاعت الدولة أن تبني سمعة دولية في مختلف المحافل؟ وهل جذبت الاستثمارات والسياحة كرائدة في المنطقة؟

لا يتردد المرء في أن يجيب عن هذه الأسئلة بـ«نعم»، لسنا بصدد تتبع الإنجازات وتعدادها وذكرها لأنها حقائق علمية وإحصائية باتت معروفة لدى الجميع، إلا أن شغف المعرفة يجعلك تبحث في ما بين السطور، لأننا في نهاية المطاف لسنا وحدنا في هذا العالم المترامي، حيث فتحت بلادنا ذراعيها للعالم وقررت بحكمة أن تتصدر التنمية والتطور في المنطقة. ومن هذا المنطلق تبرز القيمة الحقيقية لمسألة «بناء السمعة»، لأن المحافظة عليها قد يكون أصعب من بنائها في ظل التوترات والانقسامات والاضطرابات التي تعصف بالعالم.

ونظراً إلى اهتمامي بهذا الموضوع، تناولت مع بعض الأصدقاء وجهة نظرهم وسألتهم السؤال نفسه:

- كيف ينظر إلينا الآخرون؟

- ردّ علي أحد الأصدقاء: لماذا الاهتمام الزائد بقضية السمعة التي يحاول الإعلام الغربي تكريسها عنا، لأننا واثقون بإنجازاتنا ونسير على الطريق الصحيح، فمهما بذلنا من جهود لن نستطيع إرضاءهم، لسبب واضح هو أن المنافس لا يرضى بالنتيجة، ولا يقر بالهزيمة وسيعمل على التقليل من صدارتك وريادتك، بل يسعى إلى تشويه سمعتك طالما أنجزت درجة كبيرة من التفوق. وهذه هي حال الدنيا! الحضارات حلقات متواصلة ولكنها تتقهقر أو تتقدم حسب ظروف العصر.

وفي النهاية، للعرب والشرق الأوسط سمعة معينة وصورة نمطية في المخيلة الغربية لا يمكن تغييرها بسهولة.

- قال الآخر: نعم، سمعتنا طيبة في العالم كنموذج حضاري وتنويري رائد في المنطقة، وهذا ما يجعلنا نفتخر ببلدنا، ويجب أن نعزز هذه السمعة الجيدة لأنها ذات مردودات إيجابية علينا في كل النواحي.

- وأضاف أحدهم أن سؤالك من النوع السهل الممتنع، لأن البشر لا يجتمعون على رأي أو فكرة.

هناك من يقول إن التطور والبناء والعمران ليست كل الحكاية، إذ لابد من اختراعات علمية وثقافية، وعدم حصر التطور في المجال العمراني المادي فقط رغم أن لدينا سمعة ممتازة، كمدن حديثة ونظام معيشة متطور وخدمات عالية المستوى. لكننا نبقى نعاني نقطة ضعف في الجانبين العلمي والمعرفي. هذا ما يقوله الغرب عنا، لأنه يصدّر لنا العلوم والمعارف كمستهلكين. ولعل نهضتنا الحقيقية ستكون في تحولنا إلى منتجين لهذه العلوم والمعارف.

قلت له: أتفق معك في كثير من النقاط لكني أختلف معك في بعض التفاصيل. هناك مشروعات ثقافية وإرث فكري ومراكز علوم حققت إنجازات إنسانية لافتة، لابد من التوقف عندها والافتخار بها على جميع المستويات. نحن لسنا عابرين في التاريخ بل تمكنا من ترك بصمتنا في فترة وجيزة، وتفوقنا على كثير من الذين سبقونا، ولعل سر نجاحنا هو قرارنا العيش في أحضان المستقبل في ظل قيادة مستنيرة واعية.

كيف ينظر لنا الآخرون نقاش مهم، وأعتقد أننا نملك الكثير من المقومات وربما نكون أكثر المؤهلين لتغيير الصورة النمطية من خلال العمل على مشروعات علمية وثقافية حقيقية تخدم المرحلة المقبلة. العلم والثقافة والمعرفة أسلحة العصر الحديث التي بها نتمكن من ابتكار مجتمع المعرفة، هو الدرع الحصينة ضد الهجمات المتوحشة.

ربما يتوجب علينا أن نغير من صيغة السؤال قليلًا، لتتوافر لدينا إجابة أخرى، فالأجدر بنا أن نسأل: لماذا التفت إلينا العالم الآن؟

نحن لسنا عابرين في التاريخ بل تمكنا من ترك بصمتنا في فترة وجيزة.

jamal.alshehhi@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه

تويتر