كل يوم

عندما تختفي النزاهة!

سامي الريامي

لصٌ ذو سوابق، له تاريخ حافل في السرقة والنهب والاقتحامات، يدخل إلى فندق بشكل «علني»، ومن دون أن يتسلل أو يتحايل عبر الأبواب الخلفية، ويمر على «اللوبي» ليصعد إلى الطوابق العليا عبر استخدام المصعد الكهربائي، ويقتحم غرف زبائن الفندق، ليعتدي بمطرقة على ثلاث فتيات ويتسبب لهن في عاهات مستديمة، ثم يسرق حاجاتهن الثمينة ويغادر بكل أريحية، ألا يتحمل الفندق «بديهياً» جزءاً كبيراً من مسؤولية ما حدث؟ ألا يعني ذلك - وبكل وضوح - أن هناك خللاً كبيراً في الإجراءات الأمنية المتبعة، واحتياطات السلامة، التي تحرص على اتخاذها فنادق العالم كافة، خصوصاً أن الفندق يقبع في مدينة تعاني نسبة جرائم «سرقة» مرتفعة!

بديهياً، ودون أدنى شك، لابد أن يتحمل الفندق المسؤولية، لأنه لم يضع سلامة وحماية أمن زبائنه في أعلى سُلم إجراءاته وأولوياته، ومثل هذه القضية لو تكررت في جميع مدن العالم، لأدانت المحاكم فيها الفندق، إلا في «لندن» عاصمة بلاد الحرية والعدالة كما يدّعون، لم يرَ القاضي - الذي عُرضت عليه قضية الفتيات الإماراتيات، اللاتي تعرضن لهذا الحادث المروّع الذي هزّ لندن وأوروبا والعالم بأسره - الفندق مُخطئاً أو مقصراً في أي شيء، لذلك انحاز في حكمه وبشكل غير حيادي ضد الضحايا، ووقف للأسف الشديد في صف المذنبين!

أما سبب ذلك الانحياز الفاضح، فإنه يعود دون شك إلى جنسيات هؤلاء الضحايا، فلو كنّ إنجليزيات أو أوروبيات أو أميركيات لكان الحُكم مختلفاً، فالنزاهة والعدالة الإنجليزية لا يُمكن تطبيقها على الجميع، والناس ليسوا كلهم أمام القانون سواء، مهما حاولوا أن يخدعونا بشعاراتهم ومثالياتهم الزائفة!

الحُكم صدر مُحابياً للفندق، حيث برأه القاضي من أي مسؤولية، بل إن القاضي يناقض نفسه، حيث يقول إنه «يتفق مع الخبير الأمني للمدعيات، بأن التدابير الأمنية التي من المفترض أن يوفرها الفندق بما في ذلك المراقبة المستمرة للدوائر التلفزيونية المغلقة، والإشعارات، وتنبيه الضيوف بعدم ترك الأبواب مفتوحة، والمزيد من الدوريات الأمنية (ربماً) كانت ستحول دون الهجوم»، لكنه - أي القاضي - لا يستطيع القول بأن «هذه التدابير كان من المرجح أكثر من غيرها أنها ستمنع الهجوم»، عفواً سيدي القاضي لقد جانبك الصواب، فالإجراءات التي ذكرتها بنفسك لو كانت موجودة في الفندق لكان من الصعب جداً على اللص أن يصل إلى غرف الفتيات، ويقوم بجريمته الشنيعة والمروّعة، حتماً إنها كانت ستمنع الهجوم!

سيادة القاضي، ماذا لو انعكست الآية، وكان حادث سرقة عادياً، ومن دون اعتداءات أو ضرب أو عاهات مستديمة لأي بريطاني أو بريطانية في أيٍّ من فنادق العالم خارج المملكة المتحدة، فعلى من ستلقي بالمسؤولية؟ أعتقد أنكم ستحمِّلون الدولة والحكومة والشعب وهيئات السياحة والفندق المسؤولية، وستطالبون بتعويضات مالية تفوق الأشياء المسروقة سعراً بآلاف المرات، وهذا ليس افتراء عليكم، وبالتأكيد هُناك الكثير من الشواهد، حتى في الحالات التي يتجاوز فيها مواطنوكم قوانين الدول التي يزورونها، يشن إعلامكم حملات مسعورة على أي محكمة أو حكومة تتخذ إجراءات ضد مواطنيكم المُذنبين، ألا يعني ذلك وبكل وضوح الكيل بمكاييل عدة، وعدم وجود «نزاهة قانونية»، وهي التي يجب أن تكون أساساً في عمل المحاكم!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر