كـل يــوم

لم يكن حفلاً عادياً!

سامي الريامي

حفل زفاف أنجال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الذي شهدته قاعات المركز التجاري، الخميس الماضي، لم يكن حفلاً عادياً أبداً، فهذه هي المرة الأولى التي يقف فيها صاحب السمو نائب رئيس الدولة رئيس مجلس وزراء الإمارات حاكم دبي لاستقبال المهنئين والمُباركين لزفاف فلذات كبده، وهي لم تكن فرحة عادية، فهي أولاً فرحة الأب التي لا تعادلها فرحة أخرى سوى رؤية أحفاده، وثانياً هي فرحة الحاكم بزفاف أنجاله، ومن بينهم ولي عهده ونائبه.

ومع أن المناسبة ليست عادية إطلاقاً، إلا أن محمد بن راشد، كعادته دائماً، لم يشأ أن يجعلها تمر دون توجيه رسائل واضحة للغاية، رغم أنها غير مباشرة، لعموم شعب الإمارات، فالفرحة عنده لا تعني أبداً المبالغة والتبذير والاستعراض، بل الفرحة في أسمى صورها تكتمل بالمشاركة، والالتقاء بالشعب، واستقباله، والاحتفال معه وبينه.

وهذا ما كان واضحاً للجميع، فمنذ اللحظة الأولى التي وطئت فيها أقدام المدعوين قاعة الاحتفال، لاحظ الجميع البساطة في كل شيء، ولاحظ الجميع عدم وجود مبالغة، فلم تكن هناك موائد وولائم فائضة عن الحاجة، ولم تكن هناك ديكورات وتصاميم مبالغ فيها، ولم تكن هناك فرق موسيقية وشعبية وعالمية كثيرة من مختلف دول العالم، في كل شبر ومكان محيط بالاحتفال، لم يكن هناك سوى حفل استقبال بسيط ومُنظم بشكل ممتاز، والجميع وصل إلى هدفه الأسمى، وهو تقديم التهاني والتبريكات للشيوخ، ومصافحتهم، والدعاء لهم بالتوفيق.

لم تكن هناك مواكب رسمية، وإغلاق للشوارع، ولم يكن هناك رؤساء دول وحكومات، بل وُضع الأمر في موضعه الطبيعي، فكان احتفالاً شعبياً لقائد وزعيم محبوب، شاركه فيه إخوانه حكام الإمارات، وأولياء عهودهم، والمسؤولون، وأبناء الشعب، لم يخرج عن إطار الأسرة الواحدة، وهذه هي الرسالة الأسمى من الحفل، فالبيت متوحد، وسيظل متوحداً أبدَّ الدهر.

كان بإمكان محمد بن راشد أن يجعل هذا اليوم يوماً لا مثيل له، ولم يشهد العالم له نظيراً، وكان بإمكانه أن يجعل الاحتفالات تجوب الإمارات لمدة أسبوع كامل على أقل تقدير، لكنه جعل الحفل يوماً واحداً، بل أقل من أربع ساعات، وكان بإمكانه أن يجعل قاعات المركز التجاري أسطورية، تتناقل صورها وكالات الأنباء العالمية، وكان بإمكانه أن يقيم ولائم وموائد لا يستطيع الإنسان أن يرى آخرها بعينيه، لكنه لم يفعل ذلك أبداً، بل جعل الحفل مضرب أمثال الناس في الابتكار والبساطة وحُسن التنظيم في آنٍ واحد، وفضَّل استغلال كل دقيقة في إتاحة الفرصة لأكبر عدد من المُهنئين، كي يحضروا ويشاركوه فرحته.

صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، ولمن لا يعرف، اتبع تعليمات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان، طيّب الله ثراه، التي لم يعصها يوماً في حياته، ويسير عليها دائماً بعد وفاته، رحمة الله عليه، فالشيخ زايد هو أول من شجع على الزواج الجماعي، وهو أول من دعا المواطنين إلى الاحتفال دون تكلُّف، وهو الذي دعا إلى إلغاء الولائم، والاكتفاء بحفل استقبال بدلاً من حفلات الغداء والعشاء.. لذلك فضّل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد أن يحتفل بزواج أنجاله الثلاثة في يوم واحد، وسار على نهج الشيخ زايد، وأرسل رسالة واضحة إلى جميع شعبه، فالإسراف والمبالغة والتبذير لم تكن من عاداتنا يوماً، وهي سلوكيات مرفوضة في فكر وذهن وممارسات محمد بن راشد.

فهل آن الأوان ليتعظ المبذرون، ويعقِل المبالغون؟ وهل يدرك كثير من الناس أن البساطة كنزٌ، ترفع من قيمة صاحبها، ولا تُنقص منه شيئاً.. ألم يحن الوقت ليصبح هذا النهج هو نهج جميع أفراح أبناء الإمارات، حتى لا يتكبدوا خسائر لا معنى لها، فهي لن تزيد في فرحتهم شيئاً، فالفرحة تكمن في المشاركة لا في الإسراف والمبالغة والتبذير!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر