كـل يــوم

بوصلة العمل الخيري في الدولة ضائعة!

سامي الريامي

ربما لم يكن مفاجئاً ابتعاد معظم الجمعيات الخيرية، ورجال المال والأعمال، إلى الآن، عن مبادرة «ياك العون» الإنسانية، التي تهدف إلى الإفراج عن 107 سجناء من المواطنين المتعثرين مالياً، فالجمعيات الخيرية مازالت بعيدة كل البعد عن الإسهام بفاعلية في العمل الإنساني المُفيد والمنظم، والقطاع الخاص، ممثلاً بالشركات الخاصة الكبيرة ورجال الأعمال الكبار، مازال بعيداً عن أي عمل مجتمعي!

أغلب الجمعيات الخيرية في الإمارات تعمل، إلى اليوم، بأسلوب تقليدي، وفكر تقليدي محدود الفائدة على المجتمع، ومازال معظمها يفضل إنفاق ملايين الدراهم التي تجمعها من داخل الدولة، على مشروعات تقليدية خارج الدولة، ومازالت الأغلبية منهم تحصر أعمالها في أوجه صرف محدودة، لا تعدو كونها حلولاً مؤقتة لا تسد جوع جائع، ولا تضمن دخلاً لأسرة محتاجة، ولا تُحدث أي تغيير حقيقي في حياة المحتاجين، ولا تسهم في إحداث نقلة في حياة سجين، أعمال متكررة محدودة الفائدة معظمها خارج الدولة، في حين أن هناك مئات الأفكار والمشروعات يمكن تنفيذها داخل الدولة، بفكر جديد وأسلوب جديد، يضمن فائدة حقيقية للمجتمع بأسره، أو لشريحة معينة من شرائح المجتمع!

في دبي، على سبيل المثال، تبذل دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري جهداً مميزاً في السنوات الأخيرة لتصحيح مسار عمل الجمعيات، هذه الجهود أثمرت بشكل مميز، وأظهرت للواقع عدداً من المشروعات الإنسانية المُستدامة، وهناك عدد آخر مازال قيد الدراسة والتنفيذ، ميزة هذه المشروعات أنها تعالج المشكلة من جذورها، وليست مجرد مُسكنات بسيطة تُعطى لمريض صداع مزمن، لا هي تفيده علاجياً ولا هي تُنهي صداعه!

هي خطوة في الطريق الصحيح، صحيح أن الطريق مازال طويلاً، والفكر التقليدي يسيطر على أغلب الجمعيات، إلا أنها محاولات ناجحة تبذل من مجموعة من مسؤولي الدائرة، وهم شباب مواطنون متميزون عملاً وفكراً، ولاشك أنهم سيحدثون التغيير على المدى البعيد.

وللأمانة، ومن خلال تجارب ميدانية لصحيفة «الإمارات اليوم» تضمنت مبادرات إنسانية وخيرية عديدة، وجدنا أن إسهام المسؤولين الحكوميين، والمؤسسات والشركات شبه الحكومية، هو أهم وأكبر وأفضل وأسرع من إسهامات الجمعيات الخيرية، وأهم وأفضل وأشمل كذلك من إسهامات القطاع الخاص النادرة لدعم المجتمع، على الرغم من أن هذه المبادرات الإنسانية جزء من صلب عمل الجمعيات الخيرية، وليست من صلب عمل هذه المؤسسات، لكن الجمعيات للأسف ضيّعت بوصلة العمل الخيري، واتجهت نحو حب الظهور الإعلامي، والتباهي بأرقام المستفيدين من مشروعاتها، ولذلك كان التركيز على العمل خارج الدولة، لأنه مُفيد في زيادة الأرقام وقلة الصرف!

بالتأكيد ليسوا جميعهم كذلك، وبالتأكيد هناك مُخلصون يعملون بذمة وضمير وإبداع في بعض الجمعيات الخيرية، وهناك جمعيات لها بصمة مميزة وكبيرة في العمل الإنساني والخيري داخل الدولة، وكذلك هناك رجال أعمال وتجار مُحسنون ويسهمون بشكل مستمر في دعم المشروعات والمبادرات الإنسانية والمجتمعية، لكنهم للأسف الشديد قِلة قليلة، في حين أن الأغلب مازال بعيداً عن إحداث نقلة نوعية في العمل الخيري أو في الإسهامات المجتمعية!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر