5 دقائق

حياتنا: كوفي برزنتيشن!

عبدالله القمزي

أفضل شعار لحياتنا اليومية في هذا العصر هو صورة كوب قهوة! في كل حساب «إنستغرام» توجد صورة واحدة على الأقل لكوب قهوة. تترجم الصورة كل الأفكار والأمزجة التي تعكس أصحابها، وبلغ الأمر بالبعض أن يضع صورة كوب قهوة أو حبات بُن كتبت عليها تسبيحات وصلوات على النبي! ولا تسألني مع العلاقة!

لم أنجرف مع موجة «السوشيال ميديا»، لأنني لم أجد شيئاً مفيداً. 90% من المحتوى العربي تافه، بل لا أجد شيئاً مفيداً إطلاقاً. تربيت منذ صغري على قراءة المفيد ومشاهدة النافع، وتكونت في دماغي آلية تلقائية تصد التفاهات.

مثال: كلما أسأل صديقاً عن أخبار فلان، أجده يدخل حسابه على «إنستغرام»، ويرسل لي سكرين شوت من الصورة التي شارك بها في اليوم نفسه وهي كوب قهوة! أكرر السؤال بعد أيام عدة، تأتيني الصورة نفسها، أسأل بعد شهر تأتيني الصورة نفسها! ووصل الأمر إلى أن هذا الصديق أصبح يرسل لي الصورة من حساب فلان، حتى دون أن أسأله!

المحير أن فلاناً لا يفكر في تغيير زاوية التصوير أو تغيير المكان، بل يضع الصورة نفسها بالضبط بشكل يومي! وعندما غير وضع صورة كوب قهوة بعدما شرب منه رشفة، وكان تغييراً جذرياً، شعرت فعلاً بأن هذا التغيير يستحق التأمل والتفكر!!

جلست مع صديق آخر لم أره منذ سنوات، فوجدته يتفرج على بث حي من حساب «إنستغرام»، وكأنه يشاهد مباراة كرة قدم. قربت وجهي من الشاشة لأرى ما المثير للاهتمام في المحتوى، فوجدته يتابع مزاداً لأغراض يهتم باقتنائها، وبعد ذلك وجدته يتابع محاضرات «إنستغرامية».

ليتنا نبث المفيد، لماذا لا توجد حسابات لتعليم قواعد اللغة العربية بشكل مبسط أو حتى الإنجليزية؟ لماذا لا يوجد محتوى عربي تثقيفي مفيد في يوتيوب؟ لماذا لا نرى المثقفين وأهل العلم منا يبثون محتوى يفيد عامة الناس، ولماذا تراجع هؤلاء لصالح الثرثرة الخاوية. لماذا لا نوظف إمكاناتنا الرقمية إلا في التفاهات؟

مثال آخر: انتشر الحديث من حولي، أخيراً، عما يسمى Specialty Coffee، فهناك من يخبرني بأنها صحية أكثر من القهوة العادية الموجودة في المقاهي الأخرى، وهناك من يشربها حباً في التقليد، وانجرافاً مع الموجة، وكي يقال إنه شربها.. وما أكثرهم!

الصديق نفسه، الذي غزا حساب فلان في «إنستغرام»، ليجلب لي أخبار كوب القهوة، يتمتع بخبرة عميقة في مجال هذه القهوة، يقول إنه أجرى بحثاً على سوق القهوة في الإمارات، ووجد أن هناك أكثر من 200 محل في الدولة تبيع هذا النوع من القهوة. لم يفكر أحد من العرب في التحدث عن فوائدها بشكل علمي! لأن المظاهر لدى الأغلبية منا أهم من نشر الفائدة!

بالعربي: جلست مع صديق في مقهى، وطلب سبيشالتي كوفي، جاء النادل يدفع أمامه طاولة ووقف النادل مبتسماً ينتظرنا نبدأ التصوير! ثم أعطى برزنتيشن (عرضاً تقديمياً) عن تلك القهوة ومحتواها، وأخذ يشرح طريقة تحضيرها أثناء إعدادها. بعد 10 سنوات من اليوم سنكتشف أن هذا هو «الإرث الحضاري والثقافي»، الذي صنعناه في «السوشيال ميديا»: كوفي برزنتيشن!

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.

تويتر