5 دقائق

مرحباً بشهر الصيام والقيام

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

يهِل علينا شهر رمضان المبارك بعد أيام قلائل، فمرحباً به وأهلاً ونعم المجيء جاء، فمرحباً به لنتفيأ فيه ظلال العبودية لله تعالى التي هي أشرف مقامات الإنسان، وتتحقق بالاشتغال بوظائف هذا الشهر الكريم الكثيرة، صياماً وقياماً، وتلاوة للقرآن الكريم وتدبراً له، وصدقات وزكوات وفعل خيرات، وحضور مجالس الذكر، وصلة الأرحام، وغير ذلك مما يجدد الإيمان ويزيده ثباتاً، ويكسب التقوى، ويشرح الصدر، ويعظم الأجر، ويضاعف الحسنات.

نعم هذا هو شهر رمضان المبارك، الذي خصنا الله تعالى به من بين سائر الأمم، مع شرعية الصيام لهم، لننافس أعمالهم مع طول أعمارهم، وهو الشهر الذي يترقب بلوغه أكثر من مليار ونصف المليار من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، فكلهم يحمد الله ويشكره على أن سلمه لرمضان، ويريد كل منهم أن يكون موسم الفوز بالتقوى والمغفرة، كما بشر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بقوله: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه»، ومَن اسم موصول بمعنى الذي، أي نال هذه المغفرة الذي يصومه صوماً حقيقياً حساً ومعنى، بالإمساك عن المفطرات الحسية والمعنوية بِنِيَّة مبيَّتة من الليل، ومعنى إيماناً أي تصديقاً بما فيه من الفضل المبشر به على لسان الصادق المصدوق، صلى الله عليه وسلم، واحتساباً أي ابتغاء الأجر من الله تعالى، لا رياء فيه ولا سمعة.

فالمسلم المتهلل بقدوم شهر رمضان لديه هذا الشعور بهذا الكسب العظيم، الذي لا يدرك مثله في سائر الشهور، ولا ريب أنه مدرك ذلك لا محالة إن كان قد عقد العزم على اكتسابه، لأن الله تعالى يكتب أجره بهذه النية الصالحة، وإن حال دون صيامه عجز أو هلاك، كما روى أبوهريرة رضي الله عنه عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «أظلكم ــ أي قرب وصوله - شهركم هذا، بمحلوف رسول الله صلى الله عليه وسلم - أي بما يحلف به، وهو الله سبحانه، وحذف اسمه تعظيماً له جل شأنه - ما مر بالمسلمين شهر خير لهم منه، ولا مر بالمنافقين شهر شر لهم منه، بمحلوف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليكتب أجره ونوافله قبل أن يدخله، ويكتب إصره وشقاءه قبل أن يدخله، وذلك أن المؤمن يعد فيه القوة من النفقة للعبادة، ويعد فيه المنافق اتباع غفلات المؤمنين واتباع عوراتهم، فغُنْمٌ يغنمه المؤمن».

هكذا كان عليه الصلاة والسلام يبشر بقدومه، ويحث أمته على تهيئة أنفسهم لاستقباله بعزم على اكتساب أجره ونيل فضله، فشهر لم يمر على المسلمين خير منه يقتضي منهم أن يقدروه حق قدره، بشغله في الخير الذي هو من جنسه، فإن صرف العمر فيه بغير الخير يكون خسراناً مبيناً، وهو ما حذر منه جبريل عليه السلام بقوله: «يا محمد، من أدرك رمضان فلم يغفر له، فأبعده الله»، فقال عليه الصلاة والسلام: «آمين»، والمراد أنه لم يسع لإدراك مغفرة الله تعالى بنيته وعمله واجتهاده في الطاعة وبعده عن المعصية، فهو في موسم المغفرة ومع ذلك يتباعد عنه، فهو بذلك معرض عنها وكأنه لا يريدها، فإنسان يكون هكذا فهل يكون من المفلحين؟!

هذا هو الشهر الكريم الذي نترقب وصوله بعزم على الطاعة، وبعد عن المعصية، فكيف حالنا معه؟ ينبغي على كل مسلم أن يكون قد وطّن نفسه لأن يكون متبتلاً فيه لربه سبحانه بما يقدر عليه، لاسيما قراءة القرآن الكريم، فإن هذا الشهر هو شهر القرآن، لكونه تنزّل فيه، وكان عليه الصلاة والسلام له ورد خاص به مدارسةً مع جبريل عليه السلام، ولذلك كان السلف الصالح إذا دخل رمضان لم يشتغلوا بغيره، تأسياً بحال النبي عليه الصلاة والسلام، فكانوا يتركون الدروس والمواعظ وغيرها، ويملؤون وقتهم فيه ليلاً ونهاراً بالقرآن الكريم، ولهم ذكر حسن في عدد ختماته من مقل ومستكثر، والموفق من نافسهم في سلوكهم ومنهجهم..

نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المنافسين في الخيرات السابقين في الدرجات.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر